صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مُتطلبات الثِقة بالحُكومة

لَم يَكُّن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز مُضطرباً في لقائِهِ التلفزيوني الأخير “ستون دقيقة”، كما كان يعتقدُ البعض من أن صورته سَتَهتز خاصةً بعد لقاءات الحكومة في المحافظات، والتي كانت في غاية السوء وآذت هيبةُ الوزراء.

الرزاز كان واضحاً في معرفتهِ بِحجمِ التحدي الكبير أمام الحُكومة حتى تَلقى قبولاً في الشّارع، وأن جِدار الثِقة لا يمكن أن يُعاد بِناءه بين ليلةٍ وضحاها، فالمواطنون معذورون في الكثيرِ من تصرُفاتهم، بسبب سياساتٍ وإجراءات حكومية مُتراكمة على مدار عشرات السنين، أدت إلى غياب الثِقة بالخطاب الرسميّ، نتيجة ما آلت إليه الاوضاع الاقتصاديّة للمملكة عامة والمواطنين خاصة.

كلُّ ما تحدث به الرزاز في “ستون دقيقة” هو تعهدٌ حكومي رسميّ أمام المواطنين، وكل ما يطلبه اليوم هو مُهلةٌ كافية لتحقيق هذه الوعود، وهو يعلمُ جيداً حجم التداعيات السَلبيّة عليه وعلى الحكومة في حال عدم الوفاء بتلك التَعُهدات.

لكن حتى يَستعيد الرزاز ثِقة الشّارع بالخطاب الرسميّ، فإن هُناك مُتطلباتٌ أساسية تَسبقُ كُلَّ شيء من المنطق ان لم يتم تعزيزها وإعادة الاعتبار لها.

دولةُ القانون وانفاذه على الجميع لا يحتاج إلى تعهدٍ إعلاميّ، وإنما إلى مُمارسةٍ فعليّة يلتمسها المواطن في كُلِّ مَناحي حياته اليومية من تعيينات وخدمات وتعامل مع الأجهزة المختلفة، ومحاربة الواسطة والمحسوبية التي نَخَرت جسم الدولة، وباتَ التَرهل الإداري والفَسَاد مُنتشرٌ بين الكَثير من أوساط القطاع العام وبالتحالف الخفي مع القطاع الخاص كذلك مع كُلِّ أسف.

ولا يُمكن للحكومة أن تَستعيد ثِقَتها طالما بَقيت قَضَايا الفَسَاد حديث إعلاميّ لا غير، فالأصل أن تكون هُناك مُحَكمات علنيّة واسترداد أموال للخزينة من تلك القَضَايا التي تَعصِفُ بالاقتصاد الوطنيّ.

وقانون من أين لك هذا، وقانون اشهار الذِمة وغيرها من قوانين النزاهة الموحدة في منظومة التشريعات الوطنيّة، هي اليوم بأمس الحاجة إلى تفعيل تنفيذها وتطبيقها على ارض الواقع، والتَقصيّ عن حالات الثراء الفاحش التي اصابت جزءا من موظفي القطاع العام، حيث أصبحت نفقاتهم وسلوكهم الاستهلاكيّ يوازي بل يزيد بكثير عن سُلُوكِ رِجال الأعمال والمُستثمرين، ولو كان هُناك سؤالاً دورياً لما ظهرت عليه مَظاهر الثراء الفاحش، ولما وصلنا الى ما وصلنا إليه الآن من فُقدان للعدالةِ.

تَعزيزُ شُعورِ العدالة العامة مَسألةٌ في غايةِ الأهمية، وتستطيع هذه أن تهدم أي مشروع حكوميّ وَطَنيّ من قبل الشّارع، فَعودة من طَرَدوا رئيس جامعة ال البيت إلى عملهم وكأنه شيئاً لم يَكُّن مثالٌ واضح على ان التعهدات الحكوميّة بتحقيق العدالة وانه لا أحد فوق القانون يَحتاجُ إلى ترجمةٍ فعليّة على ارضِ الواقع.

ولا يمكن أن تحصُلَ الحُكُومة على ثِقةِ المواطنين طالما بَقيت خدمات القطاع العام على حالتها، وفقدان الانضباط والانتماء للمؤسسات والرقيّ بِمفهوم الخدمة العامة والعودة إلى الروح السابقة التي كانت لدى الموظف العام والتي جَعلته سفيرا للأردن في الكثير من الدول التي اِستطاع الموظف الاردني أن يلعبَ دوراَ رئيسياَ في تنميتها الإدارية.

مَسألة العفو العوم هي قضيةٌ شائكة، وممكن أن تَكُونَ سلبيّة على المجتمع، كما حدث في عام ٢٠١٠ عندما أصدرت الحكومة حينها عفواً عاماً وكانت النتيجة خروجَ قتلةٍ مُغتصبين وإرهابيين وغيرهم من الخارجين على القانون، مما زاد الاحتقانات في الشارع، وعليه فان العفو القادم يجب أن يكون مَدروساً بعناية فائقة والتعلم من الدروسٍ السابقة.

حتى التعديل الوزاري الذي تحدث به الرزاز على أنه وسيلة وليست غاية، هي مَسألة صعبة في الشّارع عندما يرى أشخاص غريبون عنه بدأوا  يديرون شؤونهم وهم غير مؤهلين ، وسُرعان ما تصل نقمة الشّارع في هذا الشأن إلى أعلى مُستوياتها، والتعديل الكثير على الحكومات هو أيضا حالة من عدم اليقين تظهر في الحكومة وتكون أقرب للتجريب، وتُظهر الحكومات بِمظهر الضُعف في الشّارع ولدى مُختلف المؤسسات، ومن هنا يَتطلبُ من الرزاز تجاوز السلبيّات التي ظهرت في تشكيلته للحكومة والعودة إلى الروح الوطنية والاعتماد على الكفاءات والتوازنات المبنيّة على المصلحة العامة.

في النهاية الرزاز سَيُعلن عن برنامج حكومته التنفيذيّ، وكُلُّ ما فيه سيكون محل رقابة شديدة من الشّارع وإذا ما تقدم الرزاز بخطوةٍ إصلاحية حقيقية فإن المواطن سيتقدم بخطوتين للأمام لإعادة بناء الثِقة مع الحكومة.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.