صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لماذا يجب ان نقلق من “القلق”؟

تباينت مناهج الكتّاب الاردنيين حول “مهرجان قلق”، الذي عقد مؤخراً، رغم التوافق على تقبيحه، خصوصاً في ظل الظروف الحالية. فمن الكتّاب من تبنى نهجاً ناقداً -وصائباً بنظري- للمهرجان، مقترحاً عقده في “ميامي” وليس في عمّان. كتّاب آخرون تبنوا مقاربة “وصفية” تركز على الواقع، منوهين الى ما ينتاب فئات متزايدة من “الجيل الجديد” من هشاشة أخلاقية وعدمية قيمية في ظل ظروف بطالة عالية وأفق اقتصادي تقشفي.

مقالتي لا تركز حصراً على واقعة بعينها، وانما على: أهمية وأولوية (المعايير والقيم الأخلاقية المشتركة) في المساهمة الجوهرية في حل تحديات ومشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والأسرية، وفي تحقيق النظام الاجتماعي العام Social Order، وفي تجاوز جوانب الاخفاق المزمنة في كل من الأسواق الحرة (المذهب الليبرالي الفردي) والتدخل الحكومي (المذهب الاشتراكي المركزي).

فحسب تعبير الاقتصادي الأمريكي المشهور جامس بوكانان: “اذا فشلت كل من الأسواق والحكومات ]في تنظيم المجتمعات المعاصرة[، ما هو البديل التنظيمي؟”. هذا التساؤل المركزي حول السياسة العامة وحول “حوكمة الحوكمة “Meta-Governance في المجتمعات النامية يقع في صلب موضوع المقال مع تعميمه.

بداية، أنوه الى اختلاف المفكرين الغربيين وعلماء الاجتماع والاقتصاد والفلاسفة حول المصدر الأساسي للنظام الاجتماعي العام في المجتمعات المعاصرة. ويمكن للمرء ان يذكر عدداً محدوداً من المفكرين البارزين الذين حاولوا تحليل أسس النظام الاجتماعي وتفسير وجوده، وهم: (1) توماس هوبز (2) جون لوك (3) آدم سميث (4) جان جاك روسو (5) اميل دوركايم (6) تالكوت بارسونز .

ويمكن تصنيف هؤلاء الى ثلاث فئات: فئة ترى ان المصدر الاساسي للنظام في النسق الاجتماعي هو القوة او الاكراه أو التشريع الملزم، ويمثل هذه الفئة توماس هوبز. وفئة ثانية ترى ان مصدر النظام الاساسي هو العقلانية الفردية والمصلحة الذاتية المستنيرة والتنافس ويمثل هذه الفئة جون لوك وآدم سميث. الفئة الثالثة تعتقد ان السبب الرئيسي للنظام الاجتماعي المستدام لا يمكن ان يكون سوى القيم والمعايير الاخلاقية والاجتماعية المشتركة. ويمثل هذه الفئة كل من روسو ودوركايم وبارسونز.

علم الاجتماع لم يستطع حتى الان ان يحسم جواباً وأن يحدد ايا من التفسيرات البديلة السابقة للنظام الاجتماعي هو الأصح او الأكثر موضوعية من خلال اللجوء الى الأدلة التجريبية، الا ان علم الاقتصاد الحديث ممثلاً في اقتصاديات الرفاه واقتصاديات الاختيار الحكومي او العام Public Choice Economics استطاع ان يقدم الادلة المنطقية المتسقة على صحة التفسير الثالث.

فكل من اقتصاديات الرفاه (نظرية اخفاق السوق) واقتصاديات الاختيار الحكومي (نظرية اخفاق التدخل الحكومي) يؤكدان على وجود فشل مزدوج ومتأصل في كل من السوق الحرة والتدخل الحكومي.

فليست المصالح الذاتية المستنيرة ولا التنافس ولا القانون ولا التدخل الحكومي هو الضمان الشامل والأكيد لتحقيق النظام الاجتماعي العام، وما الآليات السابقة سوى عوامل مساعدة ومكملة وضرورية لكنها ليست كافية بأي حال من الاحوال، خصوصاً في المجتمع المعاصر المعقد والكبير.

هذا يصل بنا الى استنتاج استراتيجي في ادارة وحوكمة المجتمعات مفاده ان “القيم والأخلاق المشتركة” و “الخير المشترك” هما المصدر الأساسي للنهضة وللنظام الاجتماعي العام. ولهذا ينبغي جميعنا أن نقلق من انتشار “القلق” في مجتمعنا الذي نُحب.

التعليقات مغلقة.