صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تشكيل تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي “ناتو عربي”

تتسارع الجهود الأمريكية لتشكيل “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي” أو ما يسمى “ناتو عربي” على غرار حلف شمالي الأطلسي، أو حلف بغداد في الخمسينات من القرن الماضي، ويضم الحلف المقترح، إضافة للولايات المتحدة ، ثماني دول (دول مجلس التعاون الخليجي الست، ومصر والأردن)، والأهداف المعلنة لهذا الحلف تتمثل : مواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة، تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء ، خاصة في مجالات الدفاع الصاروخي، التدريب العسكري، مكافحة الإرهاب، ودعم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية معها، إرساء أسس السلام في منطقة الشرق الأوسط، وإرساء الإستقرار في سوريا ، وطرحت فكرة إنشاء هذا الحلف لأول مرة خلال القمة الخليجية العربية الإسلامية الأميركية التي عقدت في الرياض أواخر أيار عام 2017 .

وأما مؤشرات قرب تشكيل الحلف الجديد فهي :

– عقد قمة عسكرية في الكويت ( 12/9/2018 ) شارك فيها قادة عسكريون من أمريكا ودول مجلس التعاون الخليجي الخليج- بما في ذلك قطر- والأردن ومصر، تم خلالها مناقشة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة ونشاطات المنظمات الارهابية .

– تأكيد الرئيس الأمريكي( دونالد ترامب) في خِطابِه أمام الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة (25/9/2018) عَزمِه إقامة هذا الحلف ، للتَّصدِّي لإيران والدِّفاع عن مَصالِح بلاده في الشرق الأوسط.

– إجتماع وزير الخارجيّة الأمريكيّ (مايك بومبيو)،على هامِش اجتماعات الجمعيّة العامّة بنُظرائِه وزراء خارجيّة الدول الثَّماني (28/9/2018 ) لوَضعِهِم في أجواءِ التَّحضيرات لهَذهِ المنظومة الأمنيّة الجَديدة، ، والتَّحضير لقِمّةٍ تَضُم الدُّوَل الثَّماني المَذكورة في واشنطن مَطلَع العام القادم 2019 لانطلاقِه رَسميًّا .

ويواجه تشكيل الحلف عددا من التحديات أبرزها :

أولا: الأزمة الخليجية وإحتواء الخلافات السعودية والإماراتية والبحرينية والمصرية مع قطر، وربما جاءت زيارة وليّ العَهد السعوديّ إلى الكويت ضمن هذا الإطار، خاصة وان الكويت صاحبة الوساطة لحل الأزمة الخليجية .

ثاتيا : توحيد مواقف الدول الثماني تجاه إيران، حيث توجد مواقف متباينة .

ثالثا : معضلة إدخال إسرائيل بالحلف، إذ لايمكن إدخال إسرائيل في هذا الحلف قبل إيجاد حل للقضية الفلسطينية ، وربما تكون اسرائيل داعمة للحلف بشكل سري.

رابعا : ردود الفعل المحتملة للدول الكبرى والإقليمية : روسيا ، الصين، تركيا ، والباكستان.

لكن ما هي الأهداف الأمريكية من تشكيل هذا الحلف، بالرغم من الوجود العسكري الأمريكي في الخليج ( الأسطول الخامس والسادس وقواعد عسكرية وإتفاقات عسكرية وأمنية ثنائية مع دول الخليج) :

أولا : تاريخيا الولايات المتحدة تشكل الأحلاف لخدمة مصالحها الإستراتيجية فقط دون أي إعتبار لمصالح حلفائها بإستثناء إسرائيل . 

ثانيا : سعي الولايات المتحدة لإحتواء إيران لصالحها ، وقد يكون تشكيل الحلف وسيلة ضغط جديدة على إيران لتقديم تنازلات ولتعديل الاتفاق النووي ولإضافة البرنامج الصاروخي ولتغيير سلوك وتدخلات إيران في دول الإقليم ، وهو إسلوب إدارة الرئيس ترامب في الوصول بالعلاقة مع الخصم الى حافة الهاوية قبل التوصل الى إتفاق (المثال الكوري الشمالي ).

وفي حالة الفشل بالتوصل الى إتفاق مع إيران ربما تسعى الإدارة الأمريكية لفرض المزيد من الضغوط والحصار على النظام الإيراني لمحاولة إسقاطه من الداخل، مع الإشارة الى اقتراب موعد فرض حزمة العقوبات الثانية الخطيرة في شهر تشرين الثاني القادم بحظر النفط والغاز الايراني ، والتي ستساهم في تدهور الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للمواطنين الإيرانيين، وبالتالي ربما تدفع الناس للخروج في تظاهرات ضمن غضب شعبي تهدد النظام من الداخل.

ثالثا : تقليل الأعباء المالية التي تتحملها الولايات المتحدة لحفظ أمن المنطقة،وتحميلها لدول المنطقة .

رابعا : عدم القدرة الأمريكية تحمل عبء إدارة وضبط المعادلة الأمنية في الشرق الأوسط بشكل كامل ومباشر، مع الإستراتيجية الأمريكية الجديدة بالتوجه الى شرق آسيا (الإعلان الامريكي عن نيتها سحب منظومة الباتريوت من الاردن والكويت والبحرين الى مناطق أخرى لها علاقة بالنزاع مع روسيا والصين ). 

خامسا : السعي لإرساء معادلة أمنية ذات طابع تعددي لمنع هيمنة أي طرف سواء كان قوة إقليمية أم قوة دولية، على شئون المنطقة .

سادسا : ربما يكون من الأهداف الوقوف في وجه المحور الروسي – التركي – الإيراني في سوريا، والعمل على التصدي للوجود الإيراني في سوريا( إخراج إيران من سوريا لصالح إسرائيل).

سابعا: قد يكون للحلف الجديد دور في ضمان تطبيق صفقة القرن أو أي حل نهائي مقترح للقضية الفلسطينية .

ثامنا : سعي الرئيس الأمريكي ترامب لتحقيق انجاز في السياسة الخارجية للهروب من مشاكله الداخلية والفضائح ، ولتحسين وضع حزبه في الإنتخابات التكميلية القادمة .

تاسعا : محاولة إدخال إسرائيل في هذه المنظومة الأمنية الإقليمية لاحقا بعد فرض تسوية للقضية الفلسطينية .

ومما تقدم لابد للدول الثماني وخاصة الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الأخذ بعين الإعتبارالأمور التالية :

أولا : إمكانية نجاح الطرفين الأمريكي والإيراني بالتوصل الى إتفاق يرضي الطرفين ويراعي المصالح الإسرائيلية ، مع الإشارة الى أن إيران دولة براغماتية (عملية ) في السياسة الخارجية وعندما تشعر بالخطر ستقوم بتقديم تنازلات جوهرية ، إذ أن خطاب التشدد موجه للداخل وربما تجري حاليا إتصالات سرية بين الجانبين ، وأي إتفاق أمريكي – إيراني سيكون بالتأكيد على حساب دول مجلس التعاون الخليجي وبالتحديد الدور الإقليمي للسعودية .

ثانيا : إعادة التوازن للأمن في الخليج والتصدي لنفوذ إيران في المنطقة يتطلب القضاء على النفوذ الإيراني في العراق أولا وإعادة العراق للمحور العربي كما كان أيام النظام العراقي السابق ، فالعراق كان في السابق وحده هو الذي يتصدى للتهديدات الإيرانية في المنطقة، مع الإشارة الى أن الولايات المتحدة هي التي سلمت العراق عام 2003 لايران عندما التقت المصالح الأمريكية مع إيران ، ولم تراع الولايات المتحدة المصالح الخليجية التي تحالفت مع أمريكا لإسقاط النظام السابق وتحملت تكاليف الحرب ، وعليه لا يمكن تحقيق الأمن في الخليج ما دامت إيران متحالفة مع العراق ومسيطرة ومهيمنة على مفاصل الدولة العراقية ، كما أن القضاء على النفوذ الإيراني في العراق سيحجم النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان ويقطع الهلال الإيراني .

ثالثا : في حالة سعي الولايات المتحدة الى إسقاط النظام الإيراني من خلال تحرك عسكري من الحلف المقترح ، ستندلع حرب إقليمية مدمرة للجميع تكون مسرح عملياتها دول الخليج أرضا وبشرا وتمويلا .

رابعا : في حالة سقوط النظام الايراني نتيجة أحداث داخلية وثورة شعبية وبدعم أمريكي إستخباري، وهو مستبعد حاليا نظرا لتماسك النظام داخليا لغاية الآن، فإن النظام القادم سيكون موال للولايات المتحدة وسيتولى الدور الإقليمي الرئيسي في الخليج كما كان أيام الشاه (شرطي الخليج)،وهذا بالتاكيد سيكون على حساب الدور الإقليمي للسعودية .

خامسا : إحتمال خسارة الحزب الجمهوري للانتخابات التكميلية القادمة في الكونجرس وفوز الحزب الديمقراطي بالأغلبية ، ثم بعد سنتين ربما يفوز بالإنتخابات الرئاسية رئيس ديمقراطي، علما بأن الديمقراطيين هم الذين وقعوا الاتفاق النووي عام 2015 مع إيران ، وغضوا الطرف عن التدخلات الإيرانية في المنطقة .

وعلى ضوء ذلك نقترح على الدول العربية المعنية بالحلف المقترح دراسة الموضوع بتأني شديد، من حيث المكاسب والخسائر المحتملة لتشكيل مثل هذه الأحلاف، والمناورة وكسب الوقت حتى تتضح الصورة والنوايا الأمريكية وتطورات الأوضاع الداخلية الأمريكية، وأن لا يأخذ الحماس الزائد والعداء لإيران بعض الدول العربية لسرعة تشكيل هذا الحلف ، الذي ربما تكون أهدافه الحقيقية توريط الدول العربية وخاصة الخليجية في حرب مدمرة مع إيران لإستنزاف ثرواتها وإعادة تشكيلها من جديد، مع التذكير بأن الحماس الزائد والعداء الشخصي للرئيس العراقي السابق (صدام حسين ) دفع الدول العربية للإنضمام الى تحالف دولي لإسقاط النظام العراقي، وكانت النتيجة ضد مصلحة دول الخليج بتسليم العراق لإيران من قبل الولايات المتحدة على طبق من ذهب، دون مراعاة لمصالح الدول الخليجية، ومنذ ذلك التاريخ أصبح أمن الخليج مكشوفا ومهددا من قبل إيران وبغض طرف أمريكي، هذه هي السياسة الدولية وألاعيبها.

التعليقات مغلقة.