صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تقريرُ “المُحاسبة”.. مَرّة أُخرى

مرّة أُخرى يعودُ تقريرُ ديوان المُحاسبة من جديد على المشهد العام في البلاد، وتمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي والإعلاميّ بنشرِ التجاوزاتِ التي حدثت في اجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة، والتي أدت إلى هَدَرِ ملايين الدنانير على الخزينة  العامة للدولة.

في العادةِ كان تعامل الحكومات مع تقارير ديوان المُحاسبة تعاملات سلبيّاً، ولا يخرج من أدراج المسؤولين، رغمَ أن الخطاب الإعلاميّ الرسميّ يؤكد على الدوام حرص الحكومة على الأخذ ببنوده وتوصياته ومعاقبة المُخالفين، لكن النتيجة النهائيّة سلبيّة للغاية، مثل أي تقرير رقابيّ، كلهُ في أدراج المسؤولين.

الأمرُ لا يختلف بالنسبة لمجلس النوّاب في التعامل مع تقارير ديوان المُحاسبة والتي يحصل على نسخة منها، حيث سرعان ما يُشكّل المجلس لجنة مُختصة لمناقشة ما ورد في التقرير، وتعقد اللجنة اجتماعات طوال اشهر وترفع تقاريرها وبعد ذلك يختفي كل شيء دون أي مُتابعة.

كُلّ النقاشات الرسميّة من السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة حول تقرير ديوان المُحاسبة لم تُجدي نفعاً او تشكل رادعاً للمخالفين، بدليل أن غالبية المُخالفات تتكرر في كُلّ عام، لا بل تزداد قيمة الهَدَر الماليّ، ولا يوجد ما يُشير إلى ان الإجراءات الرسميّة المُتخذة عقب صدور التقارير تُشكّل رادعا ومحاسباً للمخالفين، وكأن الملاحظات الواردة في التقارير للأطلاع لا أكثر مع كُلّ أسف.

حُكومة الرزاز شكّلت فور استلامها نسخة من تقرير ديوان المُحاسبة، لجنة لمتابعة كافة ما ورد بالتقرير، وفعلاً خاطبت هذه اللجنة كافة الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسميّة  للرد على ما جاء بالتقرير حول قراراتهم المُختلفة التي كان لها تداعيات ماليّة على الخزينة وشكلت هَدَراً ماليّا.

خطوة مُهمة للحكومة، لكنها في الحقيقة لا تكفي أبداً، فالمطلوب هو إجابات شافيّة وواضحة لكل الأسئلة والملاحظات التي أُثيرت والتي يتم تداولها في الشّارع على اعتبار انها شَكل من أشكال الفساد الماليّ والإداريّ، فكما يتم الآن اتهام المؤسسات والمسؤولين بانهم اهدَروا المال العام، فالنتيجة المنطقية لما يَحدُث هو التحقيق في تلك الاختلالات، ومن ثم مُحاكمة ومعاقبة من سوّلت له نفسه التلاعب بالمال العام، أو تبرئته أن كان هنُاك ما يثبت برأته وسلامة اجراءاته او سلوك مؤسسته وعدم مخالفتها للقوانين.

عدم اِستكمال نتائج التحقيقات في تقارير ديوان المحاسبة يُعطي انطباعاً سلبيّا في الشّارع على اعتبار انه جزءاً من مُرونة الحكومات في الحزم تجاه قضايا الفساد، ويدلّل بوضوح على أن المسؤول الرسميّ مُحصن من المساءلة والتقييم والعقاب، وهو يفعل ما يريد بالمال العام بحكم انهُ أصبح مسؤولا.

صحيحٌ أن ما ورد في  تقارير ديوان المُحاسبة يُشكّلُ تجاوزاً على القوانين والأنظمة الرسميّة، لكن في الحقيقة أن هُناك من يرى ان التشدد في كثير من الأحيان مِن قبل ديوان المحاسبة يُشكّل بحد ذاته خرقاً للقانون وتعطيلاً لاتخاذ القرار السليم، ولا  يتعامل بروح القوانين ولا يجاري سرعة اتخاذ القرارات المطلوبة، لذلك لا يمكن أن نعتبر كُلّ ما ورد في التقارير بانه مُخالفة قانونيّة أو شكلاً من أشكال الفساد الإداريّ والماليّ، فالبعض منهم يعود إلى عدم فهم القانون من قبل موظفي الديوان نفسه.

في النهاية، الدولة مُطالبة بمواصلة الإصلاح الإداريّ لها، وتقاريرُ ديوان المُحاسبة تُشكّل جزءاً لا يتجزأ من أيّة عملية إصلاح للقطاع العام، ولا يمكن أن تستقيم الأمور الا في حالة اقتران ملاحظات التقارير ببدء المُحاسبة والتقييم.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.