صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الشفافية والتنافسية حتى في الكوارث

في قضايا التنافسية العالمية هناك مؤشرات لا مناص من الاهتمام بها، إن أرادت الدول أن تُحسن من مناخها الاستثماري، وأن تجذب الاستثمارات الحقيقية، التي توظّف الموارد البشرية، وتستغل الموارد الطبيعية، وتحقّق الاستقرار النقدي عبر التصدير وما ينجم عنه من بناء مُستدام للاحتياطيات الأجنبية، وأخيراً وليس آخراً، ما تحقّقه للدول من نمو مستدام وتنمية متوازنة. والعالمين ببواطن مؤشر التنافسية العالمية يعرفون تماماً أنَّ المحور الأول للمؤشر هو المحور المؤسسي، وما يتعلق به من كفاءة الجهاز الحكومي وشفافيته، والمحور الثاني مباشرة هو البنية التحتية وكفاءتها.

وذلك ضمن 12 محوراً تُحدّد في النهاية ترتيب الدول في مؤشر التنافسية العالمية. وليس من العبث أن يكون المحور الأول هو الكفاءة المؤسسية، والمحور الثاني هو محور البنية التحتية، في حين أنَّ قضايا الضرائب والتعرفة الجمركية تأتي في المحورين السادس والسابع من محاور التنافسية، ذلك أنَّ كفاءة العمل المؤسسي، هي بمثابة المعيار الأول الذي ينظر إليه المستثمر، وعلى رأس ذلك المعيار تأتي أهمية الشفافية في صنع القرار، ومن ثمَّ مدى حماية مصالح المستثمرين.

أمَّا البنية التحتية فهي الضامن للمستثمر، والتي من خلالها يستطيع أن يحدّد مدى سلامة استثماراته، وقوة طرق المواصلات، ومستوى التعطل الذي قد يواجهه نتيجة ضعف أو قوة تلك البنية، ولعلَّ من أهم بنود البنية التحتية الطرق، وما تحويه من جسور، وتصريف مياه، وغيرها من مستويات التوصيل الكهربائي والمائي، ومن مستوى وجودة فرشة الطرق، والمسارات الجانبية، وحماية المشاة، وغيرها من مؤشرات الحماية على الطرق، فالمستثمر يهمه حماية نفسه، وحماية عائلته، وحماية عماله، وحماية منتجاته، وحتى حماية نفسه عند القيام بمغامرة سياحية في الدولة التي يتستثمر فيها. الطرق ليس مجرّد مادة الأسمنت، ومستوى التوصيل بين المحافظات، الطرق هي أحد أهم مؤشرات البنية التحتية الاقتصادية للدولة، وهي كما أشرت مجموعة من المؤشرات، تعكس من خلالها قوة الدولة في مجالات الحماية البشرية، والتزويد بالمياه والكهرباء، وحماية المنتجات، والقدرة على الحصول على الخدمات، وسرعة وصولها إلى الاستثمارات. الطرق منظومة متكاملة من البنية التحتية التي نشاهد بعضها، ولا نشاهد الكثير منها بالعين المجردة، لكونها مدفونة تحتها. والأهم أنَّ الطرق هي عامل أمان للمستثمر ومنتجاته وعماله، واستثماراته بشكل عام.

ولعلَّ الجدول أدناه شارح نفسه في مستوى البنية التحتية الأردنية على المستوى التنافسي مقارنة مع دولة الإمارات. إنَّ أهمية جودة البنية التحتية والطرق بالنسبة إلى المستثمر تكمن في أن الدول التي تحافظ على بنيتها التحتية وأمن وأمان مواطنيها على الطرق، وتوفّر بنية تحتية قابلة للاستخدام الاستثماري، هي دول تستحقُّ النظر إليها في الاستثمارات الجادة، ومن هنا جاءت إنجازات دولة الإمارات في أن تكون الدولة الأولى في المنطقة في جذب الاستثمارات الخارجية الحقيقية، حيث تحظى بنحو 36% من إجمالي الاستثمارات الخارجية الوافدة إلى المنطقة، وهي في المرتبة الثانية على مستوى دول غرب آسيا في هذا المجال، وهي الأعلى عالمياً في نمو الاستثمارات الخارجية الوافدة إليها، ولمَ لا وهي الدولة الأولى في العالم في تنافسية جودة ونوعية الطرق، والدولة الرابعة في العالم في جودة البنية التحتية، وضمن أهم عشر دول في العالم في الشفاية في صنع القرار وحماية المستثمر. ومن هنا كانت دولة الإمارات الدولة 17 في التنافسية العالمية، والتوجُّه أن تكون ضمن الخمس الأوائل خلال السنوات الخمس القادمة، وأعتقد أنها ستكون بلا منازع.

 

المؤشرالأردندولة الإمارات
الترتيب العام في مؤشر التنافسية6517
جودة البنية التحتية الكلية للدولة634
جودة الطرق681
الشفافية الحكومية في صنع القرار7610
قوة حماية المستثمر1269

 

ويكفي أن نعي معنى المؤشرات السابقة، ووضع وترتيب الأردن بها، لنعي كيف حدثت الكارثة التي صدمتنا يوم الخميس 25/10/2018، تلك الكارثة المفجعة التي ضربت كلَّ بيت أردني، بل ويمكن القول: إنَّها أثرت في كلِّ من شاهدها وسمع بها حول العالم. كارثة السيولة الجارفة في منطقة البحر الميت والتي أودت بحياة ما يزيد على 21 شهيداً، معظمهم من الأطفال واليافعين، كارثة بكل ما تعني الكلمة من معنى. علينا اليوم قبل الغد، أن نسعى لتحسين مستوى البنية التحتية في البلاد، إن كنا جادين في استقطاب الاستثمارات الجادة. وختاماً لا بدَّ من القول: إنَّ رفع مستوى الشفافية في المستوى الحكومي يتطلّب لجان مستقلة في القضايا الوطنية الكبرى، وكفاءة حكومية عالية، لا يُقبل فيها الخطأ في تسليم رفاة شهيد لغير أهله، أو التأخُّر في الوصول إلى جثته، وفي النهاية فإنَّ العالم تعوَّد أن تكون هناك استقالات تتعلّق بالشعور بالعبء النفسي والمجتمعي، ولا تعني إدانة الشخص المستقيل، والذي قد لا تُقبل استقالته أساساً. ولكن هي بادرة يقوم بها مسؤولون في بعض الدول، لشعورهم بتحمُّل المسؤولية المجتمعية، حيث يستقيل المسؤول، حتى لو كان له يوم واحد في المسوؤلية؛ لأنه لم يستطع النوم لما تسببت به الجهة التي تقع ضمن مسوؤليته من خسائر فادحة للناس، سواء أكانت خسائر مادية أم بشرية أم معنوية. هو إجراء، أو تطبيق، أو حتى عادة، يعني الكثير للناس، وهو يرفع من مستوى كفاءة العمل العام ومستوى الشعور بالمسؤولية في العمل العام، ويُحسن من تنافسية الاقتصاد، ومن دوره في جذب الاستثمار. رحم الله شهداء الفاجعة، وأسكنهم فسيح جناته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

 

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.