صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ثقافة العيب أم عيب المنهجية

بمعدل يلامس 19%، وفقاً لأحدث الأرقام الرسمية، فإنَّ البطالة بمفهوم التعطُّل وعدم القدرة على استغلال الطاقات الكامنة، باتت معضلة اقتصادية واجتماعية وسياسية بكل ما تعنيه الكلمة.

وإذا ما تمَّ النظر إلى تحليل تلك النسبة، بحيث نعلم أنَّ أكثر من 26% من الإناث القادرات والراغبات في العمل لا يجدن وظائف، وأنَّ نحو ربع من لديهم مؤهلات جامعية من الجنسين لا يجدون وظائف في الاقتصاد، ويضاف إلى ذلك كله أنَّ نحو ثلث الفئة العمرية الشابة من الراغبين والقادرين على العمل، مهما كان تعليمها أو تأهيلها، لا تجد وظائف في الاقتصاد.

أمام هذه الحقائق الرقمية الرسمية المُفزعة، يصبح على صانع القرار الحكومي إعادة دراسة السياسات المرتبطة بالموارد البشرية والتي تمَّاتباعها على مدى سنوات طوال.

بمعنى آخر هل نحن نؤهل طاقات بشرية على مدى السنوات التي يقضيها الشاب أو الفتاة في المدرسة، ومن ثمَّ في مستويات التأهيل بعد المدرسي؟ أم أننا نجهز المزيد من طاقات ينتهي بها الأمر إلى مقاعد البطالة أو اختيار وظيفة لا تتناسب نهائياً مع التعليم أو التأهيل الذي حصلت عليه!!

وبعيداً عن تكرار ما نعرفه عن الاقتصاد وعن البطالة، فإنَّ من المفيد وضع الحقائق التالية على طاولة من يرغب في التعامل بجدية مع قضية البطالة في البلاد.

أولاً: أنَّ المشكلة لم تعد في ثقافة العيب، بعد أن وجدنا الشباب والفتيات يُقْبِلون على شتى أنواع الوظائف، ولكن المشكلة في عيب الثقافة والسياسة العمالية التي تريد أن تقنع الشاب والفتاة أن يدرس ويتعلّم، ثمَّ يقبل بوظيفة دنيا لا تتطلَّب أيَّ تعليم أو ثقافة، وفي حال رفض ذلك فهو يمارس ثقافة العيب.

وهذه قضية باتت تتهم الشباب لتبعد الشك والاتهام عمّن يُخطط لهم بحيث يوفّر وظائف مناسبة بواسطة استثماراتجديدة أو سياسات توسّع الاستثمارات المحلية وتتناسب والطاقات المحلية. إذاً، نحن نتهم الشباب والفتيات بثقافة العيب، لكيلا يتمَّ الاتهام بتقصير سياسة الموارد البشرية في البلاد، وبالتالي فإننا نطلب من العمالة الأردنية أن توافق على القيام بأي وظائف متوافرة مهما كان تدنّي التأهيل المطلوب لها وإلا اتهمناها بعيب الثقافة، دون أن نسأل أنفسنا من المسؤول عن تأهيل القوى البشرية، ومن المسؤول عن توفير بيئة مناسبة لاستثمارات تتناسب واحتياجات اقتصادنا وإمكاناته، أو حتى دون أن نسأل من يطرد أو “يُطَفِّشُالاستثمارات القائمة، ولكن كل ما نريده هو أن ينشغل الشباب بقبول وظائف حراس العمارات، أو تنظيف السيارات، أو عمّال بناء من الدرجة الرابعة، وإلى غير ذلك من وظائف بما فيها خدمة المنازل، وإلا فالعيب فيهم، وهو عيب ثقافي، ولا أدري ما هي الثقافة التي تُشجّع وتطلب من حملة الشهادات التخلي عنها والعمل في أدنى الوظائف، أو أن يترك دولته.. هي ثقافة العجز عن التخطيط السليم لاستيعاب القوى العاملة، وثقافة العيب في التخطيط لتأهيلها بحيث نتركها تتأهل في كلّالمجالات التي لا يحتاج إليها الاقتصاد، وتهدر على ذلك الوقت والعمر ومال الأهل ومدخراتهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو:- ماذا سنفعل إن علمنا أن نحو 40% من الوظائف التقليدية الحالية ستندثر خلال اقل من عقدين من الزمان؟ هل ننتظر اندثارها وندّعي مزيدا من مشاكل ثقافة العيب، أم نبدأ اليوم بالتخطيط لمستقبل أفضل للقوى البشرية الأردنية؟ ومن هنا تأتي أهمية الحقيقة الثانية، وهى أننا نشغل وزارة العمل بقضايا العمالة الوافدة أكثر ممّا نشغلها بالتخطيط للعمال الوطنية وبتشغيل العمالة الوطنية، ومن يشكك في ذلك فعليه أن يطلب عدد المعاملات التي تنجزها الوزارة لصالح العمالة الوافدة مقابل المعاملات التي تنجزها لصالح تشغيل وحسن التخطيط للعمال الوطنية، حتى بات حجم الوظائف التي يخلقها اقتصادنا لصالح العمالة الوافدة سنوياً أكبر بكثير من الوظائف التي يساعد على خلقها للعمالة الوطنية.

وليس المقصود هنا إيقاع اللوم على الوزارة أو على القائمين عليها، فلهم كل الاحترام والتقدير على الجهود الضخمة التي يبذلونها، ولكن المشكلة في تحميل الوزارة أعباءً كبيرة تجعلها غير قادرة على التفرغ لما هو أهم، أي التخطيط للقوى العاملة الأردنية وتطوير طاقاتها. والحقيقة الثالثة، أنَّ حلَّ مشكلة البطالة في الأردن ليس عن طريق تصدير الطاقات الأردنية للخارج، أو إيجاد وظائف لها في الخارج، أي ليس عبر تهجيرها إلى الخارج، وإنما عبر سياسات تجذب استثمارات الى الوطن، وعبر سياسات تساعد المستثمر المحلي على التوسّع، بحيث تتمكّن الدولة من خلق وظائف كافية في الاقتصاد الوطني.

العبرة ليست في تصدير البشر، ولكن في تصدير منتجات البشر، ولنا في الصين مثالاً قائماً بلا شك. الحقيقة الأخيرة، أنَّالحلَّ الوحيد هو ضرورة إيجاد قناة حقيقية واحدة للتخطيط للقوة العاملة الأردنية، وهذا يعني أن تتحوّل وظيفة وزارة العمل إلى مفهوم التخطيط للقوى العاملة الأردنية، وأن يتمثّل نجاحها في إيجاد سبل لتشغيل الأردنيين في بلادهم، أمّا ما يتعلّق بالعمالة الوافدة، من تصاريح ومن ملاحقات وتفتيش، فهي قضايا يمكن لوزارة الداخلية، ومؤسّسات الحكم المحلي أن تقوم بها. التخطيط للقوى العاملة واستغلالها قضية وطنية تتفوّق على كلِّ القضايا، وهي قضية ليست بالسهلة وتحتاج إلى سنوات لتؤتي أكلها، ولكن علينا أن نبدأ اليوم حتى نتمكّن من الحصول على نتائج حقيقية أفضل في السنوات القادمة، وبغير ذلك فنحن نساعد على تنمية جيل من الممتعضين، والمحبطين، والغاضبين، وهو ما لا نريده للشباب الأردني ذكوراً وإناثاً.

[email protected]

التعليقات مغلقة.