صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأزمة الاقتصادية القادمة كيف نتجاوزها

لا شكَّ أنَّ حديث بعض المحللين الاقتصاديين العالميين عن توقُّعات أزمة عالمية اقتصادية ومالية جديدة بات واضحاً في الآونة الأخيرة، وقد أفردت مجلة الإيكونومست المعروفة تغطية شاملة للموضوع في عددها الصادر منتصف الشهر الماضي، تحدثت فيها عن توقُّعات أزمة اقتصادية لا تقلُّضراوة عن الأزمة المالية التي فاجأت العالم أجمع عام 2008، ويضيف بعض المحللين أنَّ الأزمة الاقتصادية القادمة قد تنتهي إلى حرب عالمية ثالثة بين القوى الاقتصادية الحالية، بهدف السيطرة على الموارد الرئيسة والتجارة الدولية العالمية، وتسجيل مستويات من السيطرة على العالم مالياً، وسياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً. وقد رأىالعديد من المحللين أنَّ الإرهاصات القائمة تتجاوز ما حدث في العام 1929، وأوصل إلى الحرب العالمية الثانية آنذاك. من وجهة نظري الخاصة أنَّ التحليلات المتشائمة التي أوصلت إلى تلك النتائج تتجه إلى دفع العالم نحو أزمة قادمة أكثر من أنها تستند إلى حقائق موضوعية. بل إنَّ الاستناد إلى أنَّ سياسات التسيير المالي التي اتبعتها الحكومات منذ العام 2008، لتخفيف الأزمة العالمية خلقت حالة من تعويم الأوضاع للدول والمؤسَّسات المالية، ولم تؤدِّ إلى إصلاح مالي واقتصادي حقيقي، هي تكهنات لا تستند إلى حقائق موضوعية، وقد بات الجهاز المصرفي العالمي أكثر حرصاً في التعامل مع الحكومات والشركات الخاصة على حدٍّ سواء. على كلِّ حالٍ، فإنَّ التوقُّعات القائمة في المنطقة العربية هي أقل تشاؤماً مما يوحي إليه الوضع في الاقتصادات الناشئة والاقتصادات المتقدمة. والأهم أنَّالحرب التجارية التي أشعلتها سياسات الرئيس الأمريكي مع العديد من دول العالم جعلت من الجميع يبحث عن مخارج آمنة. بدأت الصين، وهي أكبر اقتصادات العالم في التعاملات التجارية العالمية وثاني اقتصاد عالمي من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتتجه إلى أن تكون الاقتصاد الأول عالمياً بكافة المعايير، في تنشيط مشروعها “الحزام والطريق” وهي تتجه لتعويض ما يمكن خسارته نتيجة الحرب التجارية مع أمريكا عبر مسارات تجارية مع كتل اقتصادية لا تكاد تقل عن الاقتصاد الأمريكي، بل وتتجاوزه ديموغرافياً وتجارياً وحجم أسواق. الشاهد ممّا سبق، أنَّه يجب على المخطط الأردني أن يتحوَّل بجدية نحو وضع خطة للسنوات الخمس القادمة تقوم على ثلاثة محاور أساسية، الأول: أنَّ إرهاصات الأزمة المالية العالمية القادمة، إن حدثت، فستكون فرصة للأردن للعب دورٍ أساسيٍّ في جذب استثمارات تسعى للتوسُّع في المنطقة والعمل في أسواقها، ولعلَّ الاستثمارات الصينية والروسية والهندية والكورية والخليجية هي أحد أهم مصادر الاستثمارات الخارجية القادمة في مجالي إعمار العراق وسورية، وفي مجال المصالح القادمة مع تركيا، بل وإيران إلى حدٍّ ما. المحور الثاني هو أننا بحاجة إلى مسارات جديدة للتجارة الخارجية الأردنية؛ لأنَّ الأسواق التقليدية لم تعد مناسبة ولم نعد نحن اللاعبين الأساسيين فيها، بل إنَّ الأزمة السورية والعراقية جعلت من الأسواق التقليدية للأردن في أوروبا وحتى في الخليج، تبحث عن أسواق وسلع بديلة. وعليه فلا بدَّ من البحث عن أسواق جديدة وخاصة في الاقتصادات الناشئة في آسيا وأوروبا، من الصين إلى الهند إلى روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق وغيرها من الدول. والأمر يتطلب أن تعمل الحكومة بجدية مع غرفة الصناعة، ومع جمعيات الزراعة، وذلك للخروج بمسارات وسياسات تصدير تسهم في فتح الأسواق غير التقليدية المأمولة والتخطيط لكيفية الوصول واختراق تلك الأسواق. المحور الثالث والأخير، هناك حاجة حقيقية اليوم إلى بناء خطة تحفيزية حقيقية ومستدامة، تقوم على تنمية متوازنة في المحافظات عبر سياسات تشجّع قيام الصناعات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة بدور اقتصادي حقيقي ضمن خطة تكفل تشجيعها على العمل والإنتاج، وتشمل حماية دورها في الاقتصاد الوطني، وتكفل مساندتها لوجستياً ودعمها من حيث الخدمات التسويقية، والحرص على استيعاب ما تنتجه من سلع وخدمات ضمن القطاع العام والحكومي أولاً، ثمَّالقطاع الخاص بكافة قطاعاته ثانياً. نحن بحاجة إلى خطة وطنية للسنوات الخمس القادمة تقوم على المحاور المشار إليها وتقودها وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وتتشارك بها مع الفاعلين الاقتصاديين والخبراء ومؤسَّسات المجتمع المدني، لم يعد لدينا ترف من الوقت للانتظار أكثر من ذلك، والأمل أن تلتقط الحكومة الحالية الأمر، وتسعى إلى تنفيذه والخروج بالخطة المشار إليها خلال الشهور الثلاثة القادمة.

التعليقات مغلقة.