صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الرُّشْدُ والرغبة يرتكزان على القدرة

في علمِ الاقتصاد مُسَلّماتٌ لا بدَّ من أخذها بعين الاعتبار عند تحليل الظواهر للوصول إلى الهدف، ولعلَّ من تلك المسلّمات المعروفة ثلاثة أمور، أولها الرُّشْدُ، وثانيها، الرغبة، وثالثها القدرة. 

ويعدُّ الأمر الأول هو الأساس، وبالتالي فهو مسلّمٌ به عند الحديث عن صُنّاع السياسات في شتى دول العالم. ولكن الرُّشْد وحده لا يُوصِّل إلى النتائج، وخاصة أنَّ علم الاقتصاد يقوم على تعظيم المنافع والنتائج. فالمستهلك الرشيد يسعى، في علم الاقتصاد، إلى تعظيم منفعته من أي شيء يستهلكه، والمنتج أو التاجر الرشيد يسعى إلى تعظيم أرباحه، من أي سلعة أو خدمة ينتجها أو يتاجر بها. 

وبالتالي فصانع السياسة الرشيد لا بدَّ أن يسعى إلى تعظيم منفعة الناس من أيِّ قرارٍ يُقدّمُه أو يسعى إلى تحقيقه. وعليه فإنَّ الوصول الرّشيد إلى الأهداف بأعظم النتائج يتطلب أمرين؛ الأول الرغبة الحقيقية في تحقيق تلك النتائج، والثاني، القدرة المادية والشخصية، بل والسياسية والاجتماعية في تحقيق أعظم النتائج.

ومن هنا، فإنَّ تحقيق أي من طموحات أصحاب القرار، يتطلب أولاً رغبة حقيقية منبعها حافزٌ ذاتي، وآخر اجمتاعي، وثالث يتعلق بمقوماتٍ شخصية، وما يرتبط بها من مقوّمات استشراف المستقبل، والنظرة الاستراتيجية، والرغبة في تحقيق السعادة للغير، والرغبة في ترك الأثر والبصمة. بيد أنَّ الرغبة وحدها، لا تكفي لتحقيق النتائج، فهي قد تؤدي إلى صنع قرار رشيد، إلا أنَّ تحقيق النتائج يتطلّب القدرة الحقيقية على الوصول إلى أعظم النتائج. والقدرة هنا أساسها مادي بالضرورة. فمن لا يملك ثمن الشيء الذي يرغب فيه، فلن يحصل عليه أبداً.

والقدرة المادية قضية يمكن توفيرها من خلال الإمكانات الذاتية، أو عبر الاستدانة والطلب من الغير، ومن هنا فإنَّ القدرة على تحقيق أعظم النتائج، أي أعظم المنافع للمُستَهدَفين من أيّ قرار، لا يكفيها البعد المالي، ذلك أنَّ القدرة المالية، والتي قد تكون قدرة على الاقتراض المالي، قد تؤدي إلى تحقيق أهدافٍ غير مرغوبة وغير رشيدة، كأن يقترض مريض السكري لشراء أطعمة وحلويات تؤدي في النهاية إلى تدهور صحته، أو أن تقترض الحكومات رغبة في تغطية نفقات جارية، ينتهي بها الحال إلى تدهور صحة الاقتصاد، ما يعني ضرورة نقله إلى العناية المركزية في مستشفيات المؤسَّسات الدولية، وهي مستشفيات باهظة الثمن، بطيئة المنافع، مريرة الدواء. ولهذا فإنَّ القدرة على تحقيق الرغبة الرشيدة في علم الاقتصاد ليست فقط قدرة مالية، بل، والأهم، هي قدرة على اتخاذ القرار، وقدرة على استشراف المستقبل، وقدرة على التعاون المثمر مع الجهات ذات العلاقة، وقدرة على التخطيط السليم بالتعاون مع أصحاب الرأي والمشورة، وقدرة على المتابعة والتقييم المستمر وتصويب المسار، كلما كانت هناك حاجة إلى ذلك، وقدرة على إثبات سلامة التوجُّه وصحته، وقدرة على إقناع الناس ببعض التضحيات لصالح تحقيق المصلحة العامة، وقدرة على رسم طريق واضح شفّاف، وذي مساءلة ومسؤولية، ويتوج ذلك كله القدرة على استغلال الطاقات والموارد المحلية الوطنية، وفق أفضل وأنجع وأصوب وأعظم وسائل الإدارة الحصيفة. الرُّشد والرغبة مطلوبان بالضرورة لتحقيق أي هدف نافع وعظيم، ولكن القدرة على تحقيق الهدف أهم بكثير من مجرد الرغبة والرُّشد، والقدرة المالية مهمة، ولكنها في علم الاقتصاد شرط ضروري بيد أنه غير كافٍ. القدرة المالية يجب أن يرافقها فريق عمل قادر على الإدارة الحصيفة الشفافة وعلى حُسْنِ التخطيط واستشراف المستقبل، وحُسْنِ التنفيذ والمتابعة، وحُسْنِ استغلال المال العام، وحُسْنِ إدارة المال العام، وإدارة الشأن الاقتصادي، وفوق ذلك كله حُسْنِ التشاركية مع الغير، وخاصة القطاع الخاص، والخبراء، ومؤسَّسات المجتمع المدني. الرُّشدُ أساس علم الاقتصاد والرغبة، مُمَكِّنٌ مهمٌّ للوصول إلى أعظم النتائج، ولكن القدرة بمفهومها الشامل هي مُرْتَكزُ تحقيق الأهداف وتعظيمها.

وفي الختام، فإن التوجهات الأخيرة التي أعلنتها الحكومة تنطوي على مستوىً عالٍ من القرار الرشيد والرغبة الصادقة في خدمة الوطن والمواطن، والأمل أن يرافق ذلك قدرةٌ شاملةٌ، مالية وغير مالية، تؤدي في النهاية الى تحقيق أعظم الأهداف المرجوة. 

التعليقات مغلقة.