صحيفة الكترونية اردنية شاملة

إِشاعات ضارِبة للاقتصاد

مِن المُؤسِف الحالة التي وَصَلَت إليها البلد في تَداول الإِشاعات وتناقلها وكأنها حقيقة واقعيّة حاصلة، يتداولها الصَغير والكبير، ويتناقلها المسؤول قبل المواطن البَسيط، وتصبح بين لحظة وأخرى أحاديث الشّارع والصالونات، وتصبحُ خبراً مُهماً على غالبية وسائل التواصل الاجتماعيّ.

المُؤسِف الآخر في المشهد العامّ، هو الخطاب الإعلاميّ الرسميّ، هو أن عملهُ الوحيد باتَ في هذه الفترة تقريباً هو رَصد الإشاعات ونفيها بكافة الوسائل المُتاحة التي تملُكّها، حتى استنزف قواها الإعلاميّة، فبدلاً من تطوير الخِطاب الإعلاميّ الرسميّ والنهوض بها بما يتناسب مع مُتطلبات وتحدّيات المرحلة الصعبة التي تُحيط بالوطن، نجد الحُكومة وهي مضطرة مع كل أسف لنفي الإشاعات ومتابَعتها ومن ثم بث المعلومة الصحيحة عن طريق منصة حقك تعرف.

النفي لا يشمل فقط الأخبار الرسميّة، بل الحكومة باتت اليوم تُتابع كُلّ شائعة تَضرّ بالمملكة عامة والاقتصاد خاصة، فهي تُتابع حتى ما يُبث عن رجال الأعمال والمستثمرين وكُلّ ما يتعلق بأنشطة القطاع الخاص وبيئة الأعمال، وهذا ما لاحظناه في الأيام الماضيّة حول إشاعات بيوعات وتصفيات لأعمال من قبل مُستثمرين أردنيين وهروبهم للخارج.

الحالة التي وَصَلَت إليها الإشاعات وتداولها بشكل قبيح له أسبابه ومبرراته، والتي تفرض من الحكومة الأخذ بها ودراسة أصولها.

في البداية هُناك ضعف كبير في إيصال المعلومة الرسميّة الصحيحة لِمُختلف وسائل الإعلام، وهذا العمل ليس وليد اللحظة الراهنة، وإنما هي مسألة تَراكُميّة مُنذ سنوات عديدة أدت في مُحصلتها إلى فُقدان ثِقة الشّارع بالخطاب الرسميّ.

حتى الحكومات للأسف لمّ تُقويّ أدواتها الإعلاميّة من مؤسسات وصحف ومواقع، والمقصود ليس بالتملّك، وإنما بتشكّيل حِلفٍ إعلاميّ يَستند على حرية الرأي وتبادل المعلومة الصحيحة، فالمعلومة السَليمّة في وقتها المُناسب سلاح فاعل لِقتل الإشاعات ووأدها، ولو أن الحُكومات السابقة أو السياسات الإعلامية ركّزت على كيفيّة تطوير حق الحصول على المعلومة لكان أداء المؤسسات الإعلاميّة المُختلفة أكثر تَألقُاً ودفعا عن الوطن والمواطن، دون الحاجة إلى الركض وراء نفي الإشاعات التي حينها تكون قد انطلقت تَبثُ سمومها بين صفوف المُجتمع مثل النيران تأكل الأخضر واليابس.

نعم هُناك جهات خارجيّة لها مصالح كُبرى في ضعضعة الوضع الاقتصاديّ لهذا البلد الذي يُثير استقراره استفزاز الكثير من جهات خارجيّة لا ترغب أبداً أن ترى الأردن بهذا الشكل.

لكن عمليةُ تحصين البلد من الإشاعات لا تتم فقط بالنفي ولحاق الإشاعات، إنما يكون بتطوير وسائل تبادل المعلومات تضمن إيصالها أو حصولها للجميع بِكُلّ شفافية ونزاهة، وألا تتم إدارة المعلومة وتوزيعها وفق مزاجيّة المسؤول أو مُحاباته لجهة ما دون أخرى، أو قد تستخدم لِضرب أو تشويه أو تصفيّة حسابات كما يحدث الآن مع كُلّ أسف.

المواطن أيضاً تَقَعُ عليه مسؤوليّة كبيرة في تداول الأخبار، وانا شخصيّا أعاني كثيراً في أحاديثيّ مع أصدقاء أو أقارب حول الوضع العامّ، وعندما أسمع مَعلومة خاطئة أسرع لتصويبها وأجد نفسيّ محلّ اتهام من الحضور بأنني أريد تغيير الحقيقة مع أنني قد أكون صاحب أصل الخبر واعرف كُلّ تفاصيله، لا أتفاجأ أنهم يتحدثون بمعلومات غريبة عجيبة ويقفلون باب النقاش في وجهي على اعتبار أنهم هم فقط من يملكّون المعلومة الصحيحة.

نعم هُناك مسؤولية أخلاقيّة على المواطن لا يمكن إنكارها أو تجاوزها، وللأسف شاهدنا تدهورا أخلاقيّا في الشّارع خلال السنوات السابقة، وتطور احتقان المواطن على السياسات الاقتصاديّة الرسميّة إلى انتقام من الحكومات وباتت عملية تداول الإشاعات وسيلة تَنفيس لغضب المواطنين والضغط عليها بتداول الموضوعات الخاطئة لتغيير قرارات وسياسات الحُكومة.

لا يُمكن تصحيح هذا المشهد المؤلم الذي وصلنا إليه من تداول الإشاعات والبناء عليها ومن ثم التعاطي معها كأنها حقائق إلا من خلال آليات قانونيّة سَلِسة تدعم حق الحصول على المعلومة الصحيحة والسريعة، وإعادة تَرميم جِدار الأخلاق الذي انهار الكثير من أجزائه في السنوات الأخيرة، وهذا لا يكون إلا من خلال التنشئة السليمة في البيت والمدرسة والجامعة والعمل.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.