صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ما بعد مُباحثات الصَندوق

للأسف، وَصَلَ الاقتصاد الوطنيّ إلى مَرحَلة صَعبة بالاستغناء عن المُساعدات الخارجيّة التي فعليّاً وعلى أرض الواقع تندثر من عام لآخر

يستخفُّ الكثير بِمُباحثات الحُكومة الأخيرة مع صَندوق النقد الدوليّ في واشنطن والتي ترأسها عن الجانب الأردنيّ رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، لا بل يذهب البعض إلى اِتِّهام الحكومة بالإذْعان للصَندوق وتنفيذ شروطه الإعجازيّة، دون الأخذ بمصلحة الأمن المعيشيّ للمواطنين.

علينا أن نفهم جميعاً أن مسؤوليّة ما آل إليه الاقتصاد الوطنيّ من تَراجع لكثير من مؤشراته الاقتصاديّة في السنوات الأخيرة يعود إلى عوامل داخليّة وخارجيّة معاً، فالحُكومات السابقة تثاقلت في عمليات الإصلاح الذاتيّ، و تَفَنَّنت في تأجيل اتخاذ القرارات السَليمة في وقتها، وتَرحيل الأزمات خوفاً مِن تَحَمَّل المسؤوليّات، الأمر الذي جَعَلَ المواطن في النهاية يَدفعُ ثَمنَ المُعالجات الاقتصاديّة الراهنة، ويعاني من أوضاع معيشيّة صَعبة للغاية، مُتماشية مع حالة تَراجع اقتصاديّ في غالبيّةِ القطاعات الاقتصاديّة.

اليوم، مُباحثات الحُكومة مع الصَندوق مِفصَليّة وهامة على كافة الأصعدة، والأردن هو بحاجة للصندوق، وهو الذي طَلَبَ مُساعَدَته، وَتَكّمُن المُساعدة المدعومة سياسيّاً من كِبار المانحين والأصدقاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكيّة بالحصول على تسهيلات ماليّة بفوائد مُخفضّة موجّهة لِتخفيض عجز الموازنة من جهة، والحصول على شهادة “حسن سُلُوك” لدى الدائنين بإعادةِ جَدولةِ مَديونيّة المملكة الخارجيّة التي تُعدّ أكبر كابوس يُحيط بالاقتصاد الوطنيّ خلال المرحلة المُقبلة، والتي تتطلب في الحقيقة استراتيجيّة وطنيّة للتعامل مع مَلَف الدين الذي يستنزف سنويّاً ما بين خدمته وأقساطه ما يقارب الثلاث مليارات دولار على أقل تقدير.

يَعتقدُ البعض أن مواجهة تحدّيات الوضع الاقتصاديّ الراهن، بإمكان الحُكومة أن تواجهه لوحدها دون مُساعدة دوليّة، ويقارنون الأردن بدول استطاعت أن تَخرج مِن عباءة الصَندوق وحققت الكثير من النجاحات الاقتصاديَة، وهذه للأسف مُقارنات غير عادلة وغير منطقيّة، لأن عوامل النهضة والإنتاجيّة في الدول تَختلف عن بعضها البعض، ناهيكَ من أن الأردن دولة فقيرة بالموارد، حتى برنامج التخاصيّة  الذي نفذته الحكومات الاردنية منذ عام ١٩٩٨، كان برنامج لِتعزيز إيرادات الدولة في مواجهة تَلبية نفقاتها المُتزايدة وتمويل خدمة الدين، ولمّ يَكُّن برنامجاً إصلاحيّاً إداريا وجلب التكنولوجيّا والاستفادة من خبرات الشريك الأجنبيّ.

للأسف، وَصَلَ الاقتصاد الوطنيّ إلى مَرحَلة صَعبة بالاستغناء عن المُساعدات الخارجيّة التي فعليّاً وعلى أرض الواقع تندثر من عام لآخر، ولها دور كبير في استقرار الاقتصاد الوطنيّ وإخراجه من أزمة كبيرة.

بعد اِنتِهاء جولة المُباحثات الرسميّة مع الصَندوق في واشنطن، سَتَبدأ في القريب العاجل بعثة الصندوق بمراجعة الاقتصاد الوطنيّ الثالثة على ضوء الاتفاق المُبرم بين الجانبين والذي ينتهي العمل به في حُزيران المُقبل، وهنا سَتَكون المراجعة من البعثة الدوليّة بناءً على النتائج في ضوء القرارات والتشريعات التي اتخذتها الحُكومة ضمن مُتطلبات الإصلاح الماليّ المُتفق عليها في برنامج الصندوق والتي أثارت استياء الشّارع واحتجاجه بشكل غير مَسبوق.

أكبر نجاح مُمكن أن يَتَحقق في مُباحثات الصَندوق هو أن تَتَمَكّن الحُكومة من إقناع الصندوق بتخفيف تشدده في تطبيق بعض بنود الاتفاق، والحصول على دعم المؤسسة الدوليّة في تخفيف أعباء خدمة القروض ذات الفوائد المُرتفعة لدى المانحين وكِبار مؤسسات الإقراض العالميّة، لأنهُ بدون ذلك لن تقوى الخزينة على مُواجهةِ استحقاقات المدينين الخارجيّة التي سيكون أمام الأردن خلال الفترة ٢٠١٩-٢٠٢٣ استحقاقات مالية فوريّة بقيمة ١٢ مليار دولار هي سندات اليوروبنود التي كانت الحُكومات السابقة بدأت باقتراضها من الأسواق العالميّة وبعضها بكفالة الولايات المتحدة منذ عام ٢٠١٠، نَاهيك عن خدمة الديون وأقساطها المُخصصة في الموازنة العامة.

ما يَحتاجه الأردن اليوم هو تفهم عَقلانيّ من كافة أطياف المُجتمع ومؤسساته وعدم التشكيك برغبة ونيّة الحُكومة في الخروج من الأزمة، الأمر بِحاجة إلى تَضامن للموقف الوطنيّ في مُواجهة هذه التحدّيات للوصول إلى تَفاهمات تضعنا على المسار الصحيح في المرحلة الأولى، ومن ثم نبدأ بتنفيذ برنامج اقتصاديّ وطنيّ تَدريجياً بالاعتماد على الذات وَيُركّز على النمو الاقتصاديّ القادر على توفير فرص عمل حقيقة، ويساهم جليّاً في تعزيز دولة الإنتاج.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.