صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مستقبل الدولة في فكر ابن خلدون

تحديد عمر الدولة عند ابن خلدون لم يكن تحديداً مطلقاً, بل هو تحديداً نسبياً قياساً على أعمار ثلاث أجيال من الأشخاص.

من الأهمية بمكان في هذه الأيام في العالم العربي دراسة أفكار ووجهة نظر المفكر والفيلسوف وعالم الإجتماع والسياسة ابن خلدون عن مفهوم الدولة وكيفية نشؤها وصولاً إلى اضمحلال الدولة وزوالها .فالدولة عند ابن خلدون “هي الامتداد المكاني والزماني, لحكم عصبية ما”. ويرى ابن خلدون أن الدولة لا توجد دون حكم سياسي, ولا يوجد حكم سياسي دون دولة, وبالتالي يرى أن الدولة والسياسة هم وجهان لعملة واحدة, وأن منشأ الدولة هو المجتمع .
وحدد إبن خلدون عوامل سقوط الدولة بالآتي :
1. إحتكار السلطة؛ يعتبر ابن خلدون أن الدولة في الجيل الأول ذو عصبية قوية وبأسها شديد, وفي الجيل الثاني؛ ينفرد بالمجد واحد من أفراد العصبية دون باقي الأفراد.
2. فساد عصبية الدولة؛ فيحصل الفساد عندما تنتشر روح المنافسة في الاستيلاء على السلطة, وطموح أقرباء الحاكم في الحكم .
3. الانهماك في الترف؛ فيوضح ابن خلدون أن الانهماك فيه يؤدي إلى سقوط الدولة.
4. الراحة وعدم الإنتاج؛ فقلة العمل يؤدي إلى نقص الإنتاج.
5. الخلل الذي يصيب الدولة في العناصر الأساسية المشتركة (الجند, المال, العدل)؛ فإذا اختلت الدولة في هذه العناصر سينتج عنه تمرد الشعب على الحكم, والخروج ضدها.
ويرى أن هناك أربعة أصناف من الدول, وهي :
1. دولة النظام الطبيعي: ويقصد بها الدولة التي تكون العصبية فيها لا يحكمها قانون سماوي أو قانون وضعي, وإنما شهوات الحاكم , وميوله الغريزية, والنزوات الطبيعية, وشكل الحكم فيها يكون استبدادي لأنه قائم على الظلم والعدوان, بالتالي لا يحقق العدل بين الناس, لاعتماده على الهوى, فيرى ابن خلدون أن هذا النوع من النظام مرفوض لعدم اعتماده على وازع ديني أو حتى سياسي أو أخلاقي.
2. دولة النظام الشرعي: يمثل هذا الصنف دولة الخلافة, فتقوم العصبية فيها على خدمة الشرع, وتستند في حكمها عليه. فهي سياسة شرعية تعتمد على قانون منزل من السماء, ومن الواضح ميل ابن خلدون لهذا الصنف من الدول لاعتماده على الحكم الشرعي.
3. دولة النظام الوضعي: هنا تقوم العصبية على خدمة العقل, ويسميها ابن خلدون السياسة الملوكية أو الملك السياسي, فهو يعتمد على القوانين التي يسنها العقل البشري، ويهيمن الحاكم في هذا النظام على جميع السلطات .
4. دولة النظام المدني: هذا الصنف من الدول يعتبر مثالي وغير واقعي فهو أقرب ما يكون إلى المدينة الفاضلة التي نادى بها أفلاطون, أي أن العصبية فيها تخدم المثل العليا.
وأما أطوار الدولة أو ما يسميها (نظرية التعاقب الدوري)، أشار ابن خلدون أن الدولة كائن عضوي يمر بأطوار خمسة مختلفة كل طور يتميز بخصائص وأحوال معينة, وهي كالآتي :
1.الطور الأول (الظفر): هو طور التأسيس والاستيلاء والنصر على الحكم, ومن مميزات هذا الطور هو تعاون وتكاتف أفراد العصبية في الحكم والمشاركة في السلطة السياسة, والدفاع والحماية من العدوان, والمساهمة في النهوض باقتصاد الدولة المالي.
2. الطور الثاني (الإستبداد ): في هذا الطور يبدأ الحاكم باحتكار السلطة السياسية لذاته دون أقاربه من أفراد العصبية, ورفض مشاركتهم السياسية, وينتج عن ذلك توتر سياسي مما قد يدفع الحاكم لإتخاذ أعوان وأنصار من الموالي والأباعد, لحمايته من المعارضة.
3. الطور الثالث (الفراغ): ما يميز هذا الطور العمل على تنظيم الحياة الاقتصادية, والسعي إلى الرفعة والشهرة والجاه, وصرف الأموال على الحاشية والأعوان , كما يتم العناية بالجند بالتوسعة عليهم في المال وإنصاف قضاياهم, والمباهاة بالجيش والافتخار بهم أمام الدول المسالمة وإرهاب الدول المعادية.
4. الطور الرابع (القنوع) : سمي بالقنوع نسبة إلى قنوع الحاكم بما بناه الأوائل, ومسالمة حكام ورؤساء الدول, أيضاً يتصف الحاكم هنا بتقليده لأسلافه.
5. الطور الخامس (الإسراف ) : وهذا هو الطور الأخير من أطوار الدولة من وجهة نظر ابن خلدون, فنرى أن خصائص هذا الطور تمتاز باستهلاك ما انتجه الأوائل, وانغماس الحاكم في الملذات والشهوات, واصطفاء أخدان السوء والتقرب منهم, كما يقوم الحاكم بتعيين المفسدين وغير الأكفاء في مراكز الدولة الهامة , واستغلال الحاكم لأعطيات أو مخصصات الجند وصرفها في شهواته, وإهمال المصالح العامة للدولة.
وحول عمر الدولة ، فإن ابن خلدون يشبه الدولة بالكائن العضوي, إذ أن الكائن العضوي له عمر محدد والدولة كذلك, فيعتقد ابن خلدون أن أي دولة عمرها مائة وعشرون سنة, المكونة من ثلاثة أجيال وعمر كل جيل هو أربعين سنة, وقد يزيد العمر الطبيعي أو قد ينقص, وأستدل من قول الله تعالى: ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً)(الأحقاف: 15) أن سن النضوج والكمال في النمو أربعين سنة بالنسبة للإنسان, كذلك بالنسبة للجيل من الأشخاص, ومن قول الله تعالى: ]قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ[ (المائدة: 26) أستنتج من قصة تيه بني إسرائيل في سينا أربعين سنة دلالة على حقيقة انتهاء جيل وظهور جيل آخر. إلا أن تحديد عمر الدولة عند ابن خلدون لم يكن تحديداً مطلقاً, بل هو تحديداً نسبياً قياساً على أعمار ثلاث أجيال من الأشخاص.
ورحم الله العلامة ابن خلدون

التعليقات مغلقة.