صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حاجة الأردن الى عملية إصلاح شاملة

لم تقم الدولة بإجراءات فاعلة لتلبية مطالب المواطنين سوى لعبة تغيير الحكومات عند كل أزمة التي أصبحت لعبة مملة ومرهقة لخزينة الدولة

يجب الإعتراف أولا بأن بلدنا الأردن يعاني من إحتقان وأزمات متنوعة سياسية وإقتصادية وإجتماعية، وأزمة ثقة بين المواطنين والنظام السياسي ككل، زادت منذ عقدين من الزمن ، وتم التعبير عنها بأحداث الربيع الأردني عامي 2011 و2012 ، وبحراكات شعبية ونقابية شبه متواصلة، وبانتقادات ذات سقوف عالية خلال الفعاليات وعلى مواقع التواصل الإجتماعي ، وكلها تطالب بمزيد من الإصلاحات السياسية والإقتصادية ومحاربة الفساد (غير المسيطر عليه لغاية الآن) ، ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة . ولم تقم الدولة بإجراءات فاعلة لتلبية مطالب المواطنين سوى لعبة تغيير الحكومات عند كل أزمة التي أصبحت لعبة مملة ومرهقة لخزينة الدولة .
ما يحتاج إليه الشعب الأردني الكرامة والعيش الكريم، وعدم تحقق ذلك دفع أوساطاً شعبية لتعبر عن غضبها وجزعها وتبرّمها لدرجة اليأس من القدرة على التغيير. وحاولت الدولة في البداية إعطاء أولوية للإصلاح الإقتصادي على حساب الإصلاح السياسي، وكانت النتيجة تدمير الإقتصاد الوطني وبيع كل أملاك الدولة ضمن مسلسل الخصخصة وما شابها من عدم شفافية وفساد، كما حاولت الدولة إجراء إصلاحات دستورية لحل المشكلة ، لكنها لم تنجح أيضا في تلبية مطالب الناس والنخب السياسية التي تطمح بالوصول الى حكومة برلمانية قادرة على إخراج البلاد من أزمة حقيقية تتفاقم يوما بعد يوم، وبالنتيجة فإن الدولة لم تنجح في تحقيق الإصلاح الإقتصادي ولا الإصلاح السياسي.
وعلى ضوء شكوى الملك خلال اللقاء مع النقابات المهنية من بطء إستجابة الحكومات المتعاقبة للتوجيهات وتنفيذ الأوراق النقاشية، أصبح هناك حاجة ملحة وسريعة للقيام بعملية إصلاحات شاملة وبأدوات جديدة غير الأدوات التي يتم إستخدامها منذ عام 1999، وأثبتت عدم نجاحها ، ولكي تنجح هذه العملية تتطلب ما يلي :

أولا: قيادة الإصلاح من فوق ، وهو أن يتولى الملك بنفسه قيادة عملية الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي ، وتجسيد رؤيته للإصلاح كما وردت بالأوراق النقاشية على أرض الواقع ضمن تعديلات دستورية وقوانين جديدة ، وصولا الى حكومة برلمانية .وهذا يتطلب العودة الى دستور عام 1952 وإزالة كل التعديلات التي طرأت عليه وشوهته.
ثانيا: العودة الى مركزية القرار السياسي والأمني وحصره في جهاز المخابرات العامة كعقل مركزي وكمستشار للأمن القومي للدولة حصريا ، وهذا يتطلب التخلص من حكومات الظل ومراكز القوى الأخرى التي تتنافس وتتصارع فيما بينها .
ثالثا : مركزية إعلام الدولة بدلا من وجود تعددية وتنافس في الإعلام :إعلام ديوان ، إعلام حكومة ، إعلام أجهزة أمنية وعسكرية .
رابعا : إبعاد القوات المسلحة والأجهزة العسكرية الأخرى عن الشأن السياسي والإستثماري وحصر مهامها في إختصاصاتها كأجهزة محترفة ، تحظى بإحترام وتقدير الشعب الأردني .
خامسا: إعادة أراضي الدولة الأميرية لوزارة المالية وفقا للدستور، ولا يجوز لأي جهة الإستلاء على أراضي الدولة إلا وفقا للمصلحة العامة وبقرار من مجلس الوزراء .
سادسا: حصر كل أموال الدولة والمساعدات والمنح بوزارة المالية ورقابة ديوان المحاسبة .
سابعا : التخلص من المؤسسات المستقلة فورا ودمجها بالوزارات والمؤسسات الحكومية المشابهة .
ثامنا: ضبط وترشيد النفقات الحكومية والتوقف عن البذخ والصرف كدولة نفطية.
‏تاسعا :‏ توفر إرادة سياسية في مكافحة الفساد المالي والإداري لتعزز شرعية وشعبية النظام السياسي ، وتطبيق مبدأ العزل السياسي لكل مسؤول تورط بالإعتداء على المال العام .
عاشرا: الإتفاق على مفهوم الدولة‏ المدنية، التي تم طرحها مؤخرا كهدف، وبرز إختلاف حول المقصود بالدولة المدنية‏ وهل هي دولة علمانية وما هي قواعد اللعبة السياسية في إطارها. ولإزالة أي إلتباس عن هذا المفهوم يجب التأكيد على النقاط التالية :
1. أن الدولة المدنية هي الدولة التي تحترم الدين وتقدر دوره في حياة الأفراد‏,‏ وتكفل حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية لمواطنيها‏، وتراعي قيم وعادات وتقاليد المجتمع.
2. أن الدولة المدنية هي تلك التي تعزز المواطنة القانونية ، وتقوم على أساس المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق ‏,‏ فالدولة المدنية يتساوى كل مواطنيها أمام القانون‏,‏ وفي الحصول على الوظائف والفرص المتاحة دون تمييز‏.‏
3. الدولة المدنية هي دولة المؤسسات التي تستند في شرعيتها إلى الدستور,‏ وتقوم على مؤسسات مدنية للحكم من برلمان وحكومة وسلطة قضائية‏‏.‏
4. الدولة التي تقوم على الإدماج وليس التهميش والاقصاء السياسي‏,‏ وتسمح لجميع القوى التي تلتزم بقواعد اللعبة السياسية بالتطور داخل النظام السياسي‏,‏ وتتيح لها حرية التنافس والفرص المتكافئة للوصول للحكم في إطار إيمان حقيقي بمبدأ تداول السلطة‏.‏
أحد عشر : تفعيل الحياة الحزبية‏:‏ تمثل الأحزاب العماد الأساسي للحياة السياسية‏,‏ وأفضل آلية لتجميع مصالح المواطن والتعبير عنها وإعداد الكوادر السياسية، والتي توصل الى الحكومة البرلمانية . مع الإشارة الى أن الحياة الحزبية لا تزال تعاني من مشاكل هيكلية‏,‏ ولايزال دور الأحزاب محدودا واهتمام المواطن بها ضعيفا‏.‏
والواقع أن غياب الأحزاب الفاعلة أدى إلي حالة فراغ سياسي احتلتها قوى أخرى غير منظمة وهي التي تقوم بحراكات شعبية وتفتقد للقيادة ‏.‏ ومما لا شك فيه أن الأحزاب المختلفة تتحمل جانبا من المسئولية حول هذا الوضع‏,‏ وعليها تطوير أفكارها وبرامجها وتجديد دماء قيادتها‏,‏ ولكن تقع مسئولية أيضا على الدولة وعلى مؤسسات الحكم في ضرورة تبني السياسيات والتشريعات التي تدعم الحياة الحزبية‏,‏ وقد يتطلب الأمر مراجعة جديدة لقانون الأحزاب لتطوير الآليات والشروط المتعلقة بإنشاء الأحزاب وممارستها لنشاطها‏,‏ وزيادة الدعم المالي الموجه من الدولة للأحزاب‏,‏ وإتاحة مساحة أكبر لها في وسائل الإعلام الرسمية ،وكذلك من المهم مراجعة النظام الانتخابي المعمول به‏,‏ وإلى أي حد يؤثر على فرص الأحزاب في التمثيل السياسي في البرلمان‏,‏ وما هي إمكانيات تطوير ذلك‏.‏
إثنا عشر : دعم اللامركزية وتطوير الحكم المحلي :هناك حاجة ملحة لمراجعة طبيعة العلاقة بين السلطة المركزية والحكم المحلي في المحافظات ، في ضوء التحديات التنموية المتزايدة التي تعجز الحكومة المركزية وحدها عن الوفاء بها بالشكل الأمثل‏,‏ ويتطلب ذلك طرح رؤية شاملة للتطوير تقوم على نقل المزيد من السلطات التنفيذية للأجهزة المحلية‏,‏ ودعم دور المجالس اللامركزية المنتخبة في الرقابة على هذه الأجهزة‏.‏ فالحكم المحلي هي أصل السياسة وهي الدائرة الأولى للمشاركة ودمج المواطنين في النظام السياسي‏.‏
ثلاثة عشر : تعزيز الطبقة الوسطى التي تعتبر صمام الآمان والإستقرار في أي دولة ، وحماية الطبقة الفقيرة في أي إصلاحات إقتصادية .

وحمى الله بلدنا

التعليقات مغلقة.