صحيفة الكترونية اردنية شاملة

سوريا بعد الانسحاب الأميركي بقلم: د. وحيد عبد المجيد

فتح قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية الموجودة في سوريا أبواباً واسعة أمام تكهنات كثيرة بشأن ما سيؤول إليه الوضع في مناطق شرق الفرات، ومنبج شمال حلب، لكنه يفرض في الوقت نفسه، البحث بجدية في الاحتمالات الممكنة لتطور الوضع في هذه المناطق وأثره في مستقبل سوريا، على ضوء الاتصالات الجارية في اتجاهات متعددة، والمتوقع أن يظهر بعض نتائجها عقب المحادثات الأميركية التركية خلال الأيام القادمة، بعد أن زار وفد تركي موسكو السبت الماضي.
ورغم وجود محددات عدة لهذه الاحتمالات، تظل خيارات التنظيم الكردي المسيطر على منطقة شرق الفرات (حزب العمال الكردي، وذراعيه الأكثر شهرة منه: مجلس سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب) هي المحدد الرئيس. فقد أصبح هذا الحزب الذي وضع مقومات إدارة ذاتية في شرق الفرات خلال العامين الماضيين، في وضع بالغ الصعوبة، خصوصاً إذا رفع ترامب الحماية الأميركية عنه بشكل كامل، فيما تهدف أنقرة إلى القضاء عليه بمقدار ما تستطيع، وليس إلى إنهاء سيطرته على المناطق الخاضعة له فقط. ولم يجد وفد «مجلس سوريا الديمقراطية» ما يطمئنه في الزيارة التي قام بها إلى باريس غداة إعلان ترامب سحب القوات الأميركية، إذ لا تستطيع فرنسا أن تحل محل الولايات المتحدة في مناطق شرق الفرات.
وفي كل الأحوال، وحتى إذا قبل الأميركيون تقديم مساعدة محدودة، سيكون صعباً، بل مستحيلاً، الإبقاء على الوضع القائم في مناطق شرق الفرات، في ظل إصرار تركيا على تغييره، وتطلع دمشق، ومن ورائها روسيا على الأرجح، إلى استعادة هذه المناطق بصورة ما.
وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن تصور ثلاثة احتمالات أساسية. الاحتمال الأول أن يسعى حزب العمال الكردي إلى تفاهم مع النظام السوري وفق صيغة تتيح لكل منهما دوراً في مناطق شرق الفرات. لكن الصيغة التي يرجح أن يتطلع إليها الحزب الكردي، وذراعاه، وهي أن يستعيد نظام الرئيس الأسد السيادة في هذه المناطق مقابل إبقاء ترتيبات الإدارة الذاتية التي أقيمت فيها، سواء في وضعها الراهن، أو مع بعض التعديلات، قد لا تكون مقبولة في دمشق. فالخطاب الرسمي للنظام السوري مازال يرفض أي نوع من الإدارة الذاتية، ويصر على استعادة المركزية الشديدة في مختلف أنحاء البلاد.
ومع ذلك، يظل هذا الاحتمال هو الأقوى، بدليل تفضيل مجلس منبج العسكري دعوة القوات السورية الرسمية لدخول المدينة، عندما وجد أن فصائل تابعة لتركيا تستعد جدياً للتقدم نحوها، واستجابة دمشق الفورية. ولا يعني هذا أن «نموذج منبج» قابل للتكرار في شرق الفرات، غير أنه يساعد في تجسير فجوة عدم الثقة بين الأكراد ودمشق. ويزداد هذا الاحتمال في حالة تحرك «حزب العمال الكردستاني» التركي، والذي يعد «حزب العمال الكردي» في سوريا امتداداً له، لتجديد صلاته القديمة مع دمشق، عندما كان زعيمه عبدالله أوجلان لاجئاً فيها. وربما تتوافر في هذه الحالة فرصة للتوصل إلى حل وسط حول السيطرة الأمنية في شرق الفرات، مثل إشراف دمشق على عمل الإدارات الذاتية فيها مع احتفاظها بمقدار معقول من الاستقلال، وإعادة صوغ الترتيبات الأمنية بحيث تضم وحدات «بيشمركة» تابعة لفصيل كردي آخر (المجلس الوطني الكردستاني) إلى جانب «وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية».
أما الاحتمال الثاني، فهو التوصل إلى تفاهم- سيكون قلقاً حال حدوثه- بين الأكراد وأنقرة برعاية أميركية روسية. وفي هذه الحالة، لن تكتفي تركيا بإقامة شريط أمني عميق على طول الحدود من جرابلس إلى الزاوية السورية التركية العراقية من هذه الحدود، وإعادة بناء القوات الأمنية في شرق الفرات لتضم «بيشمركة» المجلس الوطني الكردستاني. فالأرجح أن يكون لها طلبان آخران هما نشر عشائر عربية، والتزام «حزب العمال الكردستاني» التركي بوقف عملياته، باعتباره الراعي لحزب العمال الكردي السوري وذراعيه.
ويبقى احتمال ثالث، ربما يكون مكملاً للاحتمال الأول، وهو التوصل إلى تفاهم غير معلن بين أنقرة ودمشق برعاية روسية ودعم أميركي، بحيث يصمت الأتراك تجاه دخول القوات النظامية شرق الفرات، مقابل التزامها بحماية أمن تركيا.
والمتوقع أن تكون هذه الاحتمالات ضمن جدول أعمال المحادثات الأميركية التركية، أو في خلفية هذه المحادثات التي قد تصبح صورة ما بعد الانسحاب الأميركي من سوريا أكثر وضوحاً بعدها.الاتحاد

التعليقات مغلقة.