صحيفة الكترونية اردنية شاملة

المعارضة الفعالة

من المنطقيّ أن نقرّ بأن مسيرة الإصلاح و التبديل لا تقتصر على الدولة بل مطلوبة على صعيد المعارضة أيضاً إن أرادت الإستمرار و التأثير ، و هذا يتطلب منح الوجوه الجديدة من أصحاب السير الذاتيّة النظيفة و المؤهلة فرصة التقدّم

يتحرّج معظم من يوصفون أو يصفون أنفسهم بالمعارضة من البوح بغايتهم في تداول السُّلطة و يسارعون لإنكار إتهامية الآخرين لهم بالسعي نحو المناصب .
و الصّواب أن الهدف المشروع و المنتج لأيّ معارضة هو الوصول إلى السلطة و بغير هذا فإنها بلا هدف و رؤيا .
و قد تَشوَّه كلا المفهومين من معارضة و موالاة للسبب الذي تُتّهم به المعارضة كما ذكرت آنفاً و لما يسود من تجريحٍ من قِبَل بعض المعارضة لمن هو خارجٌ عن إطارها على أنه ” سحّيج ” و ليس من ” الأحرار ” ، و هنا نتسائل بـ” مفهوم المخالفة ” ، هل ستنعكس المفاهيم عند وصول المعارضة للسُّلطة فيوصَفُ من يؤيّدها بالـسحّيج و من يعارضها بالحُرّ ؟!
كما أنّ سلاح المعارضة ( الحقيقيّة أو الشكليّة ) هو القانون ، فهو المظلّة لمن إستظلّ به و هو ذاته السّيفُ المُسلَّط على مَن خرج عن إطاره و لم يجتنب نواهيه ، فالغاية المشروعة لا تبرّر إلّا المشروع من الوسائل و بخلاف ذلك تكون المعارضة قد أذِنَت لسلُطات حفظ القانون بإنفاذه في مواجهتها و أخرجت نفسها من دائرة الحماية إلى زاوية الحساب ، فلم يعد لـ” النظرية الميكافيلية ” مكانٌ في عالمنا السياسي المعاصر .
و بإستقراءٍ للمعارضات المستقرّة و كذلك المستحدثة على الساحة الأردنية نجد أنها تُصنّف إلى أشكالٍ رئيسيّةٍ ثلاث :
الأُولى ( المعارضة الثابتة ) ، و هي أكثر الأصناف وضوحاً و تصريحاً بالهدف السلطويّ و عادةً ما تتّخذ شكلاً مدنيّاً ( حزبيّاً أو نقابيّاً ) ، لكن مشكلتها الرئيسة تكمن في صعوبة قبول الآخر و مقاطعة طاولة الحوار أو البرامج الوطنية و الإنسحاب من أيّ جهد أو توجّهٍ لا يطابق رغباتها و أهدافها العامّة على مبدأ ” On my way or hi way “ ممّا يجعلها بعيدة عن الساحة لفترات و بطيئة النموّ إن وُجِد و يغلب على فكرها النية المسبقة لمعارضة نهج الحكومة أيّاً كان و لا تظهر على السّاحة سوى للإحتجاج عند المفاصل الرئيسيّة أو إذا جرى إحتكاكٌ بين الدولة و أحد عناصرها .

النوع الثاني هو ( المعارضة الإنكارية ) ، و هذا النموذج فرديٌّ أو جماعيٌّ ضئيلُ العدد و الأدوات ، و يفتقد أنصاره للبرامج أو الأيديولوجيا مكتفين بمبدأ ” خالف تعرف ” .
و يحسن كلا الصنفين أعلاه الإستفادة من أيّ رد فعلٍ رسميٍّ على المشاكسات التي يباشرونها و يجيدون مخاطبة و إستثارة المشاعر الشعبية .

و ثالثاً ( المعارضة الطارئة ) التي تنقسم عادة إلى فئتين ، إمّا مسؤولٌ سابقٌ من ” فئة الولاء الشكليّ المشروط ” إنقطعت مسيرته في السُّلطة فَعَكَسَ قِبلتهُ ، أو مَن مارس الإسقاط المظلّي من الخارج – سواء بالبثّ الهوائيّ أو التواجد الفيزيائيّ الفعليّ بعد العودة إلى أرض الوطن – و عادة ما يعمد أولئك لإثارة الشارع إمّا ببثّ ما يُدّعى أنّه ( أسرار ) أو التبشير بوصفات مستوردة لا تناسب البيئة الأردنية و خصوصيتها فيذوب تأثير كلّ منهما أمام وعي الشّارع سريعاً .
أمّا النوع المؤثر و المفقود على ساحتنا السياسية هو ( المعارضة المرنة ) ، و هي التي يجتمع أنصارها إختياريّاً بناءً على أفكار مشتركة – بعكس النقابات التي يجبر فيها مزاول المهنة أن ينضمّ لهيئتها العامّة و الأحزاب التقليدية التي تستقرّ قياداتها في مراكز التحكم لأزمانٍ و تجمع منتسبيها روابط عائلية أو مصالح – و يدفع هذا النوع المرن من المعارضة – الحزبية غالباً – بأنصاره لتولي الوظائف العامة و الإئتلاف مع القوى الأخرى حتى الوصول إلى السُّلطة بتدرّجٍ مع إمتلاك البرامج التي تحمل آليّاتٍ لتصويب المسار العامّ و لا يكتفي بالشعارات الفضفاضة و الرّنانة .
و قد تباينت درجات السهولة في إستمالة أصناف المعارضين عموماً وفقاً لقوة الرابط بين الفرد و المجموعة التي ينتمي ، لكن التجربة أثبتت و بالشكل القاطع أن المعارضة الطارئة كانت اسهل إستمالة و فقدت ثقة الجماهير كونها لم تنجح كغيرها من المعارضات في صنع الفارق خلال توليها المسؤولية ، لكنّ معظم رموزها كانوا أكثر قسوة في القرارات و أقل إستماعاً للشارع ، إلّا من رحم ربّي .
و كان أكثرها سلبية المعارضة الإنكارية ، و التي لا تملك من أدوات التأثير سوى التشكيك و إختلاق الإفتراءات و الإفتياتات دون أسنادٍ واقعية و لا مصادر مقنعة و مقبولة مستغلّة فسحة الفراغ الموجودة و أزمة الثقة .
مما تقدم ، نصل لنتيجة مفادها أن ساحة المعارضة السياسية الأردنية ( شبه فارغة ) ، فمجرد الإعتراض على نتائج البرامج الحكومية أو عرض المطالب تجاهها موقفٌ مقبول من الشعب ، أمّا القوى السياسيّة فعليها أن تتّصف بالملاءة الفكريّة كي تقنع الشارع في إيصالها للسُّلطة .
و عليه ، من المنطقيّ أن نقرّ بأن مسيرة الإصلاح و التبديل لا تقتصر على الدولة بل مطلوبة على صعيد المعارضة أيضاً إن أرادت الإستمرار و التأثير ، و هذا يتطلب منح الوجوه الجديدة من أصحاب السير الذاتيّة النظيفة و المؤهلة فرصة التقدّم تماماً كما يريده الشارع من معايير في معشر المسؤولين .
إنّ بلداً ترتفع فيه نسبة التعليم و عايش شعبه هجرات و حروب و أحداثاً داخلية صعبة أقدر على إفراز طبقة من المعارضة الفعالة الإيجابيّة و هم موجودون لكنّ صوتهم يخفت أمام علوِّ أصوات من ذكرنا أعلاه ، و الواقع يؤكّد أن تصعيد الكفاءات و عبورها نحو السُّلطة عبر البوابة الرسمية أيسر من محاولتها العبور عن متاريس المعارضة التقليديّة .
و في الحقيقة أن إصلاح المعارضة لا يقلّ ضرورة عن إصلاح الحكومات بل قد يكون أكثر أهميّةً و إنتاجيّة و تأثيراً ، و كما يحتاج الشعب حكومة تلبّي مطالبه و حاجاته فإنّه ينتظر معارضة أمينة على حقوقه تنطق بإسمه و توصل صوته و تحمل عنه هذا العبء و العناء .

التعليقات مغلقة.