صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التحوُّل نحو الاقتصاد

الحكومة ستسعى خلال السنة الحالية إلى الانتقال نحو سياسات تساعد على على تحريك عجلة الاقتصاد، وتعالج التشوُّهات الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد في جانب الاستثمار، وخلق الوظائف، وتحقيق معدلات نمو مناسبة وتوسيع نطاق السوق

من الواضح أنَّ الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء وفريقه إلى واشنطن ركَّزت بشكلٍ واضحٍ على المقاربة الجديدة التي ناديت بها في مقال آخر منذ عدة أيام، والتي تتلخَّص حول الاهتمام بجانب العرض وتنشيط الاقتصاد، والاكتفاء من السياسات الانكماشية الضابطة لجانب الطلب، بعد أن تمَّ استنفاد كلِّ ما يمكن عمله من تصويب للتشوُّهات في مجالات الدعم والإنفاق العام، بل وتحوّل دعم المحروقات إلى مصدر إيرادات كبير للموازنة.

اليوم بات من الواضح أنَّ الحكومة ستسعى خلال السنة الحالية إلى الانتقال نحو سياسات تساعد على على تحريك عجلة الاقتصاد، وتعالج التشوُّهات الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد في جانب الاستثمار، وخلق الوظائف، وتحقيق معدلات نمو مناسبة وتوسيع نطاق السوق، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ حبل المديونية بات شديد الوثاق على رقبة الاقتصاد الوطني وعلى صانع القرار فيه.

وباعتقادي أنَّ العمل على تحقيق نتائج حقيقية في مجال تحريك الاقتصاد، وتحقيق النمو وخلق الوظائف يتطلَّب خمس خطوات أساسية، يمكن تلخيصها فيما يلي:-

الخطوة الأولى: يجب أن نكون جادين في إعادة النظر في كافة سياسات الاستثمار القائمة، وتحديداً عبر تصويب الثغرات التي يشير إليها كل من تقرير التنافسية العالمي وتقرير سهولة بدء الأعمال.

وبشكلٍ أكثرَ وضوحاً، فإنَّ القصور يكمن في سياسات حماية المستثمر، وسياسات تسجيل الاستثمار، وسياسات الحصول على الخدمات العامة، وخاصة من البلديات، وسياسات توصيل وتوفير البنية التحتية لبدء الاستثمار، وإجراءات الموافقات الحكومية، والأخيرة محدَّدة بشكل واضح في كلٍّ من التقريرين.

ولتحقيق كل ما سبق، على الحكومة اليوم إطلاق فريق عمل مشترك مع القطاع الخاص والخبراء، دوره المحدَّد وضع خارطة طريق خلال ثلاثة أشهر لتجاوز كافة النقاط السابقة وغيرها من النقاط المذكورة في التقريرين.

بغير ذلك لن تكون هناك جدية في الطرح أو جدية فيما سمعناه من تصريحات خلال الزيارة الأخيرة، مع قناعتي بأنَّ الحكومة جادة فعلاً فيما ذهبت إليه وصرحت به. الخطوة الثانية: لا بدَّ من إيجاد سبل حقيقية لحماية وتنشيط ودعم قطاع الصناعة، وهي قضية ليست حصرية على الأردن، ولسنا أول من يقوم بها. وهنا لا أقول أن نتعلَّم أو نقتدي بالدول النامية أو الناشئة أو التي في طور النمو، بل علينا أن نعلم أنَّ الدول المتقدمة، وخاصة ألمانيا،  والولايات المتحدة أيضاً، تقوم بشكل واضح وفي زُرقة النهار، بحماية ودعم ومساعدة قطاعها الصناعي عبر سياسات الطاقة، وسياسات الحماية المالية، وسياسات التيسير الكمي.

ومن دون ذلك سنشهد المزيد من إغلاقٍ لمصانعَ، كما حدث مؤخراً مع مصنع شركة كولجيت/بالموليف الذي شرَّد 120 أسرة؛ بسبب عدم اتباع سياسات حماية مناسبة، أدَّت إلى تفضيل الشركة الأم تحويل الاتفاقية مع الشريك الأردني إلى اتفاقية توزيع، أي تحويله من مُصَنِّعٍ إلى مُستورِدٍ، بناءً على إمكانية التصنيع في الدول المجاورة وإدخال منتجاتها إلى السوق الأردني معفية من الجمارك والرسوم، في حين أن التصنيع يجعله يدفع جمارك ورسوماً إضافية على المُدخلات، إضافة إلى قائمة الرسوم والمدفوعات التي يتحمّلها على المصنع، والإنتاج، والطاقة والمعاملات الكثيرة التي لا تنتهي طوال العام. وعلينا أن نقرِّر في مجال الصناعة، هل نحن بصدد حمايتها وتقوية شوكتها، أم إننا نُفضِّل الخلاص منها وإغلاق معظمها، والجواب في سياسات الولايات المتحدة، وألمانيا، وكوريا الجنوبية، والصين، واليابان، وأخيراً وليس آخراً في دولة الإمارات، الجارة التي باتت تُعلِّم العالم أكثر ممَّا تتعلَّم منه.

الخطوة الثالثة في تنشيط الاقتصاد تكمن، من وجهة نظري، في تحسين مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة بشكل أساس، ومن ثمَّ الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، واختصاراً للجدل والاجتهاد، فإنَّ على الحكومة التوجُّه فوراً وخلال العام الحالي إلى حكومة ذكية، تضع كافة معاملاتها الرئيسة على تطبيقات ذكية، وتتوقَّف عن الكلام عن الحكومة الإلكترونية فقط، فقد انتهى العالم من ذلك وقفز إلى الحكومات الذكية متناهية الدقة، سريعة الإنجاز متطورة الخدمات، القفز إلى الحكومة المتطورة الذكية المتقدمة قضية ممكنة، وتحتاج إلى استثمارات بسيطة نسبياً، وإنجازها لا يحتاج إلى دهر. بيد أنَّ ذلك التحوُّل يسَهّل حياة المستثمر والمتعامل، ويرفع من كفاءة الإنجاز، ويقلل من الاحتكاك مع الموظف العام، ويرفع مستوى الشفافية في الإنجاز، ويختصر الوقت ويقلِّل حالات الفساد إلى أدنى الدرجات.

الخطوة الرابعة يمكن اختصارها بإعطاء أهمية حقيقية لفتح أسواق جديدة خارج نطاق أسواقنا التقليدية المعروفة في المنطقة وحتى في الخارج. وهذه لن تتم إلا بتوسيع الدور الذي تلعبه سفاراتنا في الخارج، وهو أمر يحتاج إلى تعاون مثمر بين وزارة الصناعة والتجارة، وهيئة الاستثمار، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة الخارجية. على وزارة الصناعة، وهيئة الاستثمار تجهيز ملف ودراسة كاملة حول الأسواق الجديدة المحتملة في غرب آسيا وفي الشرق الأقصى، مع الاهتمام بالدول ذات الكتل السكانية الكبرى، ووضع سلسلة من الاهتمامات، ومن ثمَّ التنسيق مع القطاع الخاص، ومع وزارة التخطيط ووزارة الخارجية لاستهداف تلك الدول خلال العام الحالي. القضية ليست مستعصية ولن تكون، ولكن علينا أن نبدأ إن كنَّا صادقين في النهج الجديد.

وأخيراً وليس آخراً، تأتي خطوة تحسين مستوى خدمات قطاعات السياحة بالمفهوم المُوَسّع للسياحة، أي السياحة العلاجية، والتعليمية، والدينية، والثقافية والتقليدية. وتقديري أنَّ المطلوب بشكل محدد هو وضع سياسات تحفيزية ترويجية مناسبة لإعادة الأردن إلى خارطة الزيارة العالمية، مع الإصرار على وضع سياسات إدارية ومعايير تطبيقية على أرض الواقع تمنع استغلال السائح سواء أكان سائحاً للعلاج، أو التعليم أو للزيارة الثقافية أو الترفيهية. العجيب أنَّ مركزاً تجارياً في دبي، وهو “دبي مول” استقطب خلال العام 2018 نحو 87 مليون زائر، معظمهم من السائحين، وخلق 10آلاف فرصة عمل، ويستهدف أن يصل إلى 100 مليون زائر بحلول العام 2020. علينا أن نتعلَّم من التجربة، ونحن نكتنز من عجائب الدنيا، ومواقع دينية، وسياحية وثقافية، ما يجعل المرء يعْجَبُ مما نفعله بأنفسنا في قطاع السياحة. هذه مجرد اجتهادات للمساعدة على النهج الجديد، ولكن هناك الكثير من المقترحات التي يمكن أن تقوم بها الحكومة. واقتراحي الأخير، أن تعقد الحكومة خلوة موسَّعة لمدة يومين مع الجهات ذات العلاقة والمختصين والخبراء في الشأن الاقتصادي بقطاعاته المتعددة، للخروج بتوصيات محددة تلتزم بها أمام الجميع وتطلب أن تُحاسب عليها مع نهاية العام الحالي.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.