صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الشباب وأزمة الهوية بقلم: د.ثابت النابلسي

قبل ثلاثة سنوات تمت دعوتي من قبل جمعية سيدات مرموقة، تضم نخبة من السيدات، والأمهات للحديث عن كيفية التعامل الفعال مع الأبناء الشباب والشابات، ولما كان اللقاء مع كوكبة من المربيات الفاضلات اللواتي أنجبن أجيالًا من الشباب والشابات؛ فإن الأمر ليس سهلًا أن تتحدث أو تقف أمام تلك الكوكبة لخبرتهن في تربية تلك الأجيال.
بدأ الحديث معهن بالمقارنة بين شباب الأمس وشباب اليوم، والتفاعل بين خبرات الماضي والحاضر، وعن المعرفة والتجربة، فلا يمكننا أن ننكر كنز التجارب، والخبرات التى أوصلت العديد منا للقمة، فبدأت منها رحلة الانطلاق بكل همة للوصول إلى تلك القمم، فالفرصة ليست وحدها فقط من أوصلت النخبة إلى المقدمة، بل أن إبداعهم وتفكيرهم وتصرفهم بشكل مختلف واستعدادهم للعمل من جعلت منهم قدوة في العمل والحب والاخلاص.
إن رفض الواقع الراهن، وصناعة المستقبل المنشود ليصبح واقعًا ملموسًا من خلال مساراته المتعددة كانت مصدر الإلهام لنا عند الحديث عن واقع شباب الأمس، وما يطمح إليه شباب اليوم، فمنهم صاحب التجربة الناجحة، ومنهم من يفخر بما أنجز، ومنهم من يندم على وقت كان فيه متفرجًا لا يشارك به، ومنهم من كان صاحب تجربة مكررة تحمل عناوين مختلفة، ومنهم من عاش أكثر من عشرين عامًا يمارس نشاط منسوخ.
أيها الشباب….
كنّا قد وعدناكم في المقال السابق أن نستعرض معا مكونات الهوية، وتم تعريف الهوية المعطاة بأنها جاءت مع ولادتك ولم تكن باختيارك.
وبما أنّ للهويّة مجموعةٌ من الأنواع والمُكوّنات والخصائص كما تناولناها سابقًا؛ وكل نوعٍ من تلك الأنواع يُساهم في نقل صور مُعيّنة، وكما أنّ أغلبَ الشباب والشابات قد يتعرّضون لإحدى الحالات الخاصّة بالهويّة، لذا وجب عليهم معرفةُ الطُّرق الصحيحة في التعامل معها وفهم مضامينها؛ من هنا نستعرض مكونًا آخر، وهو الهوية الإختيارية.
فكل تجارب الآخرين وخبراتهم هي مصدر مهم لتكوين مفهوم الهوية الإختيارية، وأن شباب الامس مصدر مهم لما نبحث عنه، فمن خلال التفاعل الإيجابي معهم يعيش الواحد منا تجربة حقيقية تشكل له مجموعة من الخبرات والتجارب تُعد مرجعًا يُعتد به، ومنارات يستدل بها إلى تحقيق الإنجاز.
ذلك الإنجاز الذي أشار إليه الملك عبد الله الثاني بن الحسين– حفظه الله – حين قال “ما حدا أحسن من حدا إلا بالإنجاز”
لذلك يتطلب الأمر أن نحرص على النجاح بكل تفوق، وتميز لمواكبة الرؤى الملكية الواعدة لوطننا وشبابنا، ليتبوأ مكانة عالية، فتحقيق الإنجاز ليس أمراً يسيراً وسبيلًا سهلًا، بل يحتاج إلى صبرٍ في العمل، وثقة وبذل جهد، والسير في الطريق الصحيح، للوصول إلى الأهداف التي يسمو الوطن إلى تحقيقها، والتي لا يصلها إلا أصحاب الهمم العالية، المنهمكون في التفكير الإيجابي والتوجه نحو المستقبل، والإنجاز لمؤسساتهم، فلا وقت للحديث لديهم، فإنجازاتهم تتحدث عنهم.
بهذه الإشارة يجب على كل الباحثين الانتباه عن تشكيل هويتهم الاختيارية، وأن يُحسنوا اختيار القدوة ممن سبقوهم من أصحاب الأثر والتأثير، ممن يحملون فكراً يُحترم، وعملًا يُفتخر به، فالشباب بالأمس هم ناموس النجاح الذي ينير طريق شباب اليوم.
لقد أصبح اليوم ما يعرف بالمعيار الخاص للهوية، وهو معيار يعتمد على عينة عشوائية ممثلة للمجتمع، لدراسة السياسات الداخلية والخارجية، ومعرفة مدى قوة ونجاح الهويات وأنواعها، وتحديد المؤشرات لكل نوع ليتبين مدى نجاح الاجراءات الخارجية لنجاح تلك الهوية، والإجراءات الداخلية في قياس رغبة المواطنين في انطباعهم عن التنمية، والخدمات، والقيم الاجتماعية فيها … الخ..
ويجب الإشارة هنا إلى اصطلاحيين قريبين من بعضهما، وقد يحدث لَبس بينهما وهما المواطنة والهوية الوطنية.
فالمواطنة هي الإنتماء والإخلاص في العمل على بناء وتطوير الهوية الوطنية، وهي احد الطرق أو الوسائل التي يشعر بها الفرد ويسعى عبرها الى بناء هويات ناجحة.
بينما الهوية الوطنية فلها خصائصها وسماتها تتميز بها كل أمّة عن غيرها، ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وازدهارها، وبدونها تفقد تلك الأمم كل معاني وجودها.
ومن هنا لا يتحقق الازدهار والتقدم إلا باكتساب الخبرات الناجحة من أصحاب القدوة الذين هم نموذج يقتدى بهم، فالالتزام بالعمل واستثمار الوقت والجهد مطلب حقيقي في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة، فلا استسلام عند مواجهة العقبات والعثرات، بل أن هذه العثرات والعقبات التي تحد من تحقيق الإنجاز ستكون لنا الدافع الأساسي بالاستمرار في تحقيق رؤية ورسالة الشباب.
وكما أخبرتكم أيها الشباب منذ فترة أن من يصنع الواقع أنتم، وأن المستقبل لا ننتظره بل نرسمه، ونعيشه ونكتب أحداثة، أخبرتكم أنكم قادة بفعلكم وإنجازاتكم، كما أرادكم سيد البلاد أن تكونوا دائمًا مبتكرين مبدعين، طموحكم يعانق عنان السماء بهمتكم وإنجازاتكم .
حمى الله الأردن، وشعبه ومليكه- عاش الشباب – عاش الأردن .

التعليقات مغلقة.