صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هيبة الدولة في تناقص والحل بتغيير النهج

ما من حل لإعادة الهيبة للدولة واعادة ترميم الجسور بينها وبين شعبها الا بتغيير النهج

       من اللهجة التي كتبت بها الرسالة الموجهة الى الملك من (لجنة المتابعة الوطنية ) ، الى وقفة الدوار الرابع الأسبوعية بشعاراتها التي تخترق السقوف الى الصدامات التي جرت مع رجال الامن  في بعض مدن المحافظات ، الى حوادث طرد الوزراء في اللقاءات ، الى سيل الكتابات والفيديوهات التي تملأ صفحات التواصل الاجتماعي ، هناك ما يؤشر على تناقص هيبة الدولة الى مستويات توحي بالضعف وعدم الكفاءة والمسؤولية  . وهو مؤشر خطير ، اخطر ما فيه ردود فعل الحكومة ،او قل الدولة ومؤسساتها ، التي تدل على عدم الاهتمام وتجاهل البحث في الأسباب التي أنجبت هذه المظاهر .
   مظاهر خطيرة لأنها :
      ١- تجري تحت شعار واحد يحركها جميعاً وهو الاحتجاج على ( الفساد ) مع دفع الاتهامات به نحو جهات الدولة الأربعة ، اي عدم تبرئة احد ولا حصانة لأحد منها ،من اعلى مواقع سلطة الدولة الى أدناها ، مع التنويه بان احاديث الفساد في المستويات المختلفة للمجتمع لا تتمحور حول قضية بعينها ( مثل قضية الفوسفات او الدخان ) انما نحن امام سيل من الأحاديث والقصص التي لا تنتهي بما يعطي الانطباع بان البلد تعوم على مستنقع من الفساد   .
     ٢-  وهي خطيرة لتنامي الشعور العام بين الاردنيين بان أحداً في الدولة لا يكترث بمطالبهم ولا بنداءاتهم ورسائلهم الموجهة للملك او للحكومة ، ولا باحتجاجاتهم على الدوار الرابع . فالحكومة ومؤسسات الحكم تبدو اهتماماتها في واد ،  والفئات العريضة من المجتمع الأردني في وادٍ آخر . الحكومة  ان تحركت او قررت او تحدثت ، تفعل باتجاه واحد هو كيفية مواجهة ازمتها المالية ، جني الضرائب لمواجهة ديونها وقروضها . اهتمام لا يُترك فيه للشعب الا حفنة  شعارات عن جذب الاستثمار  وعن وعن..  مما يثبط الهمم ويشيع اليأس  .. ومع انه اهتمام له مبرراته القوية ، لكن حال الاردن وشعبه وهمومه الوطنية اشمل وأوسع من ذلك ، انها مطالب  الاصلاح الحقيقي ، الذي يغير النهج في الشكل والمضمون ، الاصلاح الذي يعتقد الاردنيون بانه الحل المقبول  في مواجهة  الفساد المتفشي والمحافظة على موارد البلاد وحاضرها ومستقبلها .
 ٣- وهي خطيرة ، لان ادارة الظهر للمطالب الشعبية تدفع بالمجتمع الى مزيد من الخوف والقلق على حاضر ابنائه ومستقبلهم  ، والإحساس الشعبي بالتجاهل الرسمي  لهذه المطالب يزيد من التوتر ومشاعر الغضب المتنامية بين صفوف الشباب . هذا التجاهل  امر لا تقوله الدولة علانية  ، و تتحدث عنه الحكومة بوعود لا ترى التنفيذ  ، لكنهما ، الدولة والحكومة ، في تصرفاتهما وقراراتهما يعطيان الانطباع للرأي العام  بان لسان حالهما يقول للناس (  قولوا اللي بدكم إياه ، ارفعوا سقف الشعارات حتى تبح أصواتكم  ، تظاهروا ، احتجوا ،اعتصموا، ادبكوا ارقصوا افعلوا ما شئتم لكننا سنمضي في فعل ما نشاء كما كنّا وسنبقى ) والتعيينات الاخيرة مثال . وانت اذا جلست الى بعض من في المسؤولية او كان فيها ،  تسمع أقوالا مثل ( هو احنا بدنا نرد على كم مئة واحد بوقفوا على الرابع !).ان كانت هذه فعلاً سياسة رسمية ، فهي الخطأ كله ، وانكار لواقع يقلق جميع الاردنيين  ، فتوقفوا عن سياسة التجاهل وإدارة الظهر او الاستهتار بمطالب الناس .
  ———————–
       – لا  ياسادة ، الأمر اكثر جدّية مما تعتقدون ، وهو لا يقاس بعدد المحتجين على الدوار ولا بفيديو او اثنين على مواقع التواصل او برسائل لجنة المتابعة وما هو مماثل لها  ، انما يقاس بكيفية تعامل الرأي العام معها . ومن خبرتي الطويلة في هذه المسألة ، لا اذكر ، ومنذ عدة عقود ، ان قضية او قضايا اقتصادية ومالية تتناول  ( الفساد المالي والاداري ) قد استقطبت هذا العدد الهائل من الاردنيين او قد لقيت الإقبال على تبنيها وتداولها وإعادة بثها بمثل ما يجري من تداول هذه القضايا على كثرتها بين الآلاف ان لم يكن عشرات الآلاف من الاردنيين  . بالمقابل لم يحدث ان وصلت الرواية الحكومية او الرسمية ، الى هذا المستوى المتدني من التشكيك وعدم القبول بين أوساط الاردنيين ، والامر لا يقتصر على فئة بعينها ولا على عمان دون غيرها من مدن الشمال والوسط والجنوب فحالة عدم الثقة وغياب المصداقية في المواقف الرسمية  أصبحت عامة شاملة .
       – لا يا سادة ، يامن تمسكون مسؤولية البلاد والعباد ، المسألة  تتطلب مواجهتها والنظر اليها كقضية  وطنية عامة  وبامتياز .
       هي كذلك لأنها :
       ١- اذا كُنتُم جادين في جذب الاستثمار الأجنبي وتحريك التنمية وإخراج الوطن من أزمته المالية الخطيرة   ، فان مظاهر الاحتجاج الشعبية ، التي لم تتوقف ،بل تتصاعد ،لا تشجع اي مستثمر من الداخل او من الخارج على استثمار امواله  في بيئة كالموجودة في بلدنا حالياً . وهذه مسألة ترفع معدلات البطالة والفقر  وتدفع الى مزيد من التوتر والعنف بين صفوف الشباب  وتشجع على انتشار حالة عدم الثقة والاستهتار بهيبة الدولة .
     ٢- الدولة القوية تحتاج الى مؤسسات قوية تجمع السلطات الدستورية والشعب في إطار واحد من المسؤولية وتحت أهداف وقيم وقوانين تخلق التلاحم الوطني بمواجهة التحديات الكبيرة وفيها من التحديات الخارجية ما هو أشد خطورة من الازمة المالية والاقتصادية  .  الدولة ليست شركة ،  انما هي مركز العقل والارادة والعصب المحرك ،  والجهة التي تعالج  الضعف في الدولة  قبل ان يستفحل … ان هيبة الدولة تنبع من عقيدتها وأهدافها الوطنية العامة .. والدولة الاردنية منذ توقيع معاهدة وادي عربة ورفض اسرائيل الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني فقدت بوصلتها الوطنية ، ولم يعد لها عقيدة واضحة تجمع الشعب حولها ضدالاخطار التي تهددها . التحديات الخارجية التي كانت الدولة تواجهها قبل عام ١٩٩٣ هي اليوم اكثر تهديداً وحضوراً  . وهذا أمر  حاصل في اكثر من دولة عربية ،  فعندما تخلت هذه الدول عن عقيدتها باعتبار اسرائيل الخطر المركزي الذي يهدد وجود الأمة  انتشرت داخل أوطانها القلاقل والحروب والنزاعات الداخلية ، وعمّ الفقر ،تراجعت التنمية وغابت شعارات العمل العربي المشترك ، فتربعت اسرائيل على هذا الخراب كقوة طاغية ، محتلة وتوسعية  .
    لقد نجحت الدولة الاردنية  في تجنيب البلاد ما اصاب دولاً من حولها ، وتباهت في مسألة الامن والامان ، لكن بالمقابل اضاع المجتمع الأردني الكثير من الثقة بينه وبين الدولة ، وتسلل القلق والخوف من المستقبل بين صفوف شبابه  ، وأدى فشل الاصلاح السياسي  الى شعور الاردنيين بان الدولة تخسر  ما انجزته خلال عشرات السنيين ، وخسارتها بين صفوف شعبها لا توازيها شئ في الأهمية الوطنية ، أعيدوا الشعور للأردنيين بان هذه دولتهم وملاذهم وسندهم .
      — ما من حل لإعادة الهيبة للدولة واعادة ترميم الجسور بينها وبين شعبها الا بتغيير النهج ،في الشكل والمضمون ، في الأشخاص وفي السياسات من اجل دولة قوية بمؤسسات قوية وشعب يلتف حولها في الأيام المرة كما في الأيام السعيدة .

التعليقات مغلقة.