صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تحدّيات التَشغيل

لن تتمكن الحكومة من حل قَضيّة التشغيل طالما بَقيت تفتح الأبواب على مصراعيه لِتُجار البشر ومستثمريّ تصاريح العمل الذين يُتاجرون بها ويقوضون كُلّ جهود التشغيل الوطنيّ

لن يكون هُناك تَحَدٍّ أمام الحُكومة يُحدد الاستقرار العام في البلاد كما هو الحال في تحدّي البَطالة التي تَعصِفُ بالشباب المُتعطل عن العمل والمتخرج ولا يجد له وظيفة في سوقِ العمل.

البطالة اليوم وصلت إلى أعلى مُستوياتها على الإطلاق مُنذ ٣٠ عاما -١٨.٧ بالمئة وهي مُعدّلات رسميّة لا يمكن إنكارها أو تَجاوزها، والنُمُوّ الاقتصاديّ لا يتحاوز في أفضل حالته خلال السنوات العشر الماضيّة ٢ بالمئة، وهي مُعدّلات مُتدنيّة لا تُلبي الحد الأردنيّ لِمُتطلبات إيجاد فُرص عمل جَديدة، خاصة إذا ما عَلِمنا أن الاقتصاد في أفضل حالات النُمُوّ لا تتجاوز ٥٦ ألف فُرصة عمل يَتقاسمها القطاعين العام والخاص في ظل وجود ١٥٠ ألف خريج من مُختلف الكُليّات والجامعات والمدارس، فَكيف الحال الآن في ظِل التباطؤ الكبير في النُمُوّ الاقتصاديّ.

آلاف المُتعطلين عن العمل لا يُمكن للحكومة أن تتجاهل قَضيّتهم وتتركهم يسيرون بقوافل من المحافظات للعاصمة دون حلول اِستراتيجيّة ومَنطقيّة وواقعيّة، فالقطاع العام عاجز اليوم كُليّا عن التوظيف وإيجاد فُرص عمل جديدة، فَهُناك ما يزيد عن ١٠٠ ألف موظف زائد عن الحاجة، ولا ننسى أن جزءاً كَبيراً من مُشكلة الاقتصاد الوطنيّ هي القطاع العام وأعبائه الماليّة الكبيرة، ناهيكَ عن تراجع إنتاجيته وكفاءته.

إذن لا يوجد خَيارات كثيرة أمام الحُكومة للخروج من أزمةِ التشغيل سوى التعاون المُطلق مع القطاع الخاص، فالأخير هو المُشغل الرئيسيّ وهو المُحرك الأساسيّ للاقتصاد.

للأسف في ظل العلاقة الراهنة بين الحُكومة والقطاع الخاص، لا يُمكن أن يكون هُناك تَشغيل إضافيّ لدى القطاع الخاص الذي يُعاني اليوم من سياسات اقتصاديّة ماليّة أثقلت عليه الأعباء الماليّة، وحدّت من قُدرته على التوظيف الجديد، لا بل حتى على الاستمرار في أنشطته الاقتصاديّة المُختلقة.

نعم القطاع الخاص في ظل حالته الراهنة لا يُمكن له أن يَتَعاون مع الحُكومة في قَضيّة التشغيل، عِلما أن لديه قُدرة كبيرة في ذلك في حال توفرت الشروط التحفيزيّة له، فلا ننسى أن هُناك ما يقارب مليون عامل غير اردنيّ في سوق العمل المحليّة في مُختلف الأعمال والمهن.

المَطلوب هو برامج تشغيل مربوط بالتحفيز للقطاع الخاص تتكون عناصره مما يلي:

أولا: إعفاءات ضَريبيّة لِكُلّ من منشأة عمل توظف أردنيين بالكامل أو ضمن برنامج زمنيّ مُحدد، هذا يُساهم بلا شك في إقبال أصحاب العمل على التوظيف للأردنيين.

ثانيا: إعفاءات جُزئية من الرسوم والجمارك لبعض الأعمال المُشغلة للعمالة الاردنيّة مثل القطاع الصناعيّ الذي هو بأمس الحاجة إلى تلك الإعفاءات.

ثالثا: تنظيم قانوني للأعمال الحرفيّة والمهنيّة وعدم تركها هكذا دود تَبويب لِحقوق العاملين فيها، وهذه أعمال هي التي تَستحوذ عليها العمالة الوافدة، فالأساس أن يَكون العامل في تلك المِهن والحرف تتمتع بكُلّ الحقوق الماليّة والقانونيّة والعماليّة الأساسيّة، من ضمان اجتماعيّ وتأمين صحيّ وتعويضات حسب الأصول المُتعارف عليها، لإنه لا يُمكن للأردنيين أن يَعاملوا في بلادهم كأنهم وافدين لا حقوق لهم في الضمان والتأمين الصحيّ مِثلما هو الحال في قطاع المقاولات على سبيل المثال لا الحصر، وثَبَتَ فِعليّا أن الحُكومة بِمُجرد أن تُنظم حقوق العمالة في أي قِطاع تّجد الأردنيين يتسارعون للعمل فيه مُتجاوزين ما يسمى بثقافة العيب كما حَصَلَ في قطاع السياحة الذي يُسيطر الأردنيين اليوم على مُعظم أنشطته وأعماله.

طبعا قبل هذا الأمر يجب أن يَكون هُناك تفاهمات مع القطاع الخاص لإزالة المُعاناة والتحدّيات التي تَعصف به من كُلّ حدبٍ وصوب، فالقطاع الخاص اليوم يُعاني الأمرين من سياسات وبيروقراطيّات عطّلت أعماله وأعاقت أنشطته، وهي ليست وليدة لِسياسات راهنة، إنما هي تَراكُمات لا يُمكن مُعالجتها أو تَركِها دون مُفاوضات مباشرة بين القطاعين وتكون الحُكومة تمتلك الإرادة الفعليّة في إنجاز وحل القضايا فعلاً لا قولاً.

لا يُمكن للحكومة أن تواجه قَوافل المُتعطلين بالوعود أو باللجوء إلى القطاع العام، فهذا هو الذي يُسمى الهروب من مواجهة المُشكلة وترحيلها لا أكثر.

ولن تتمكن الحكومة من حل قَضيّة التشغيل طالما بَقيت تفتح الأبواب على مصراعيه لِتُجار البشر ومستثمريّ تصاريح العمل الذين يُتاجرون بها ويقوضون كُلّ جهود التشغيل الوطنيّ، فالمطلوب إقفال هذا الباب، فما لدينا من عَمالة وافدة كافية جداً الأن تكفي دول اقتصادها أكبر بكثير من الاقتصاد الأردنيّ، فَكُلّ ما يحدث في الأمر هو ضرب للعامل الأردني أولا وأخيرا.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.