صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أفقٌ عالمي لعام التسامح بقلم: د.سالم حميد

رغم أن اختيار دولة الإمارات عامَ 2019 عاماً للتسامح يعتبر حدثاً محلياً يندرج ضمن الشؤون والخطط الوطنية الإماراتية، أسوة بالأعوام السابقة التي تم توجيه الجهود خلالها للتركيز على قضايا محددة، مثل عام القراءة وعام الابتكار وعام زايد.. فإن ما تقوم به الدولة أصبح يشغل الآخرين ويلفت اهتمامهم إقليمياً وعالمياً، وبذلك أصبح الشأن المحلي الإماراتي مدار اهتمام منصات الإعلام ومنابر التواصل الاجتماعي بشقيها الصديق والحاقد.
ومن يدركون مدى جدية الإمارات في تحقيق طموحاتها وتحدي المستحيل، يتناولون أخبار وتفاعلات الساحة الإماراتية بشكل إيجابي، ويفتخرون بإنجازات تشجع الآخرين على تحقيق مثلها. لكن من جهة أخرى نرى من يحقدون ويدعون أنهم يتجاهلون الإمارات، ومع ذلك ينشغلون كثيراً بالتعليق على كل صغيرة وكبيرة في الساحة الإماراتية، ويعتمدون على أسلوب التشكيك والتقليل من قيمة الجهود التي تبذل، وعلى محاولة تقليل قيمة أي حدث وتصغير دلالاته، أو تحويل مساره إلى مناطق بعيدة عن الجوهر والغاية الأصلية، كما حدث في تناولهم بأسلوب مغرض وحاقد زيارةَ بابا الفاتيكان الاستثنائية لدولة الإمارات. وفي النهاية تركز الإمارات على الإنجاز وتترك للآخرين الهذيان والكلام الكثير. ويكفينا أن كل إنجاز أو مبادرة إماراتية تفتح آفاقاً عالمية وتكتسب الأبعاد المناسبة لحجم الإنجاز.
وحتى الآن لا نزال في الشهر الثاني من العام الجديد، ورغم ذلك تطرق الإعلام العالمي بمختلف توجهاته لعام التسامح في الإمارات من زوايا متعددة. وعندما ينجح بلد في أن يشغل أذهان الآخرين، ويدفعهم إلى تسليط الضوء على شؤونه المحلية وبرامجه وفعالياته، فإن ذلك يعني أنه يمضي في الطريق الصحيح.
وتعتبر قيمة التسامح من أكثر القيم والسلوكيات التي يواجه العالم المعاصر تحديات بشأنها، فأكثر الحروب والصراعات ودلائل العجز في بعض المجتمعات عن التطور واستخدام الموارد بالشكل الجيد، إنما يكون سببها غياب التسامح. كما يمثل غياب هذه القيمة الإنسانية الراقية في الكثير من توجهات السياسة الدولية اختباراً لمقدرة القوى العالمية على إعادة تصويب مسار سياساتها. ويكفينا في الإمارات أن عام التسامح أثار غيرة الآخرين ودفع بعضهم إلى محاولة البحث عن شواهد تثبت التزامه بمبادئ العيش المشترك. بينما يعتبر التعايش والتسامح في الإمارات من القيم المغروسة في الوعي والممارسة في الحياة اليومية، ويأتي اعتبار 2019 عاماً للتسامح للتأكيد على مكتسبات قانونية وسلوكية نعيشها على أرض الواقع في الحياة اليومية. ويتجلى ذلك في تعايش نحو 200 جنسية في الإمارات. ومن أراد أن يرى العولمة مجسدةً على أرض الواقع، يمكنه النظر إلى التنوع السكاني في دولة الإمارات، وبذلك قدمنا دليلاً على النجاح في تحويل العولمة والانفتاح الاقتصادي والتعايش من مصطلحات مجردة في بطون الكتب إلى واقع ملموس.
وقبل أيام اختتمت في الإمارات أعمال القمة العالمية للحكومات، وكانت حدثاً كبيراً يضاف إلى سلسلة المؤتمرات العالمية الكبرى التي تستضيفها الدولة، ومن خلالها تتبلور توجهات مؤثرة وحاسمة عالمياً، بشأن صياغة قرارات ومبادرات تعود بالنفع على الشعوب، وتنعكس على تطوير الأداء الحكومي بمعايير جديدة، تتناسب مع أحدث التقنيات والمسرعات الحكومية.
ولم يكن انعقاد قمة الحكومات بعيداً عن عام التسامح، حيث كانت إحدى جلسات القمة بعنوان «التسامح الديني في بناء المدن والمجتمعات». ومن هنا يكتسب عام التسامح الأفق العالمي الواسع، بعد أن نجحت الإمارات في إدراج هذا المحور ضمن جلسات قمة الحكومات العالمية. فعندما تتصدر الدعوة إلى التسامح أجندة جلسة تجمع صناع القرار على المستوى العالمي، نستطيع القول بأن المسعى النبيل لإحياء قيمة التسامح قد حقق نجاحاً يتجاوز الاحتفال بمبادئ التسامح إلى غرسها ولفت الانتباه إلى أهميتها.
إن ميول البشر نحو التعصب، بسبب التاريخ الطويل للتخلف والبدائية، يتطلب في الوقت الراهن استثمار التطور الحضاري والاقتصادي لإعلاء قيمة التسامح. فلا تزال العديد من الصراعات والمآسي في عالم اليوم تستند في جوانب منها إلى غياب التسامح الديني وانتشار التعصب العقائدي. والإمارات تحقق نقلات نوعية في مجالات عديدة، بعضها لا يمكن قياسه بالأرقام والإحصاءات، وفي مقدمتها التسامح والتعايش الذي لا يمكن قياسهما إلا بالمعايشة.الاتحاد

*كاتب إماراتي

التعليقات مغلقة.