صحيفة الكترونية اردنية شاملة

بين الثَّبات و التعنُّت.. الحكومة مثالاً

هذا ليس شِعرٌ يُرتجى منه إطراب المستمعين بل لا بدّ من الشّجاعة و الصّدق لمواجهة المعضلة مهما بَلَغَت الكُلفة

” صديقك هو مَن يُبكيك لا مَن يُضحكك ” ، على هذا المبدأ سارت الحكومة في مواجهة كرة الثلج الشبابية المتسارعة وقرّرت تحمّل كلفة الضغوطات بمقابل الإبتعاد عن سياسات التسكين و ترحيل الأزمات ، فلا الجسم الحكوميّ يحتمل التمدُّد و لا الموازنة العاجزة تحتمل المزيد من الضغط أو الإنفاق خارجها .

هذا ليس شِعرٌ يُرتجى منه إطراب المستمعين بل لا بدّ من الشّجاعة و الصّدق لمواجهة المعضلة مهما بَلَغَت الكُلفة ، فمن غير المعقول أن تُطالَب حكومةٌ بإيقاف نزيف المال العامّ و إلغاء العديد من الهيئات و المؤسسات المستقلة و في آنٍ معاً إثقال الكادر الحكوميّ الذي يعاني بطالة مُقنّعةً من حيث الكمّ و نقصاً من حيث النوع كمسألة أطباء الإختصاص نتيجة سياسات ترحيل الأزمات التراكمية ، فلهذا ضريبة إمّا أن نحتملها أو أن نتركها .

ولا بديل عن إستغلال الطاقة للخروج من الفاقة ، وأولى الخُطى إنّما تكون بقراءة دقيقة للمعطيات حتى يكون الناتج واقعيّاً و ممكناً ، فما يجذب الشباب الأردنيّ من كلا الجنسين لأيّ عملٍ يتلخص في نقطتين : النظرة الإجتماعيّة أو ( الصِّفة ) ثمّ الإستمراريّة ، و لعلّ تهافت الآلاف منهم نحو العمل لدى شركات التطبيقات الذكية ” أوبر و كريم ” بوادرٌ تحمل بشائر للخروج على الظاهرة المشكوِّ منها ” ثقافة العيب ” ضمن أُطُرٍ معيّنة مقبولة تحتاج الدراسة و التوظيف بالشكل السليم .

و من المعروف أن الأردني المُحجِم عن العمل بالمهن و الحرف البسيطة يُقبِلُ عليه بوظيفة سائق و مراسل أو حتّى عامل نظافة في القوّات المسلّحة و الأجهزة الأمنيّة و مؤسسات الدولة عموماً و هذا دليلٌ على أن محلّ الخلاف ليس في المضمون بل في القالب أو الغلاف الذي يكون إمّا جاذباً أو طارداً ، و هذا ما يدفعنا للبحث عن الإطار المقبول و المشجِّع للإقبال على المهن و الحرف في ضوء الذهنيّة السائدة و الغالبة في المجتمع كنقطة إنطلاقٍ تُسيّرُ الطاقات الغنيّة و المُحتقنة .

قد وفّر برنامج ” خدمة وطن ” ما يؤسّس لنقطة الإنطلاق هذه من حيث شهادات الخبرة لخريجيه لكن هذا حتماً لا يكفي ، ففئة الجامعيين من حديثي التخرج ذكوراً و إناثاً بحاجة ماسة كذلك لإكتساب الخبرة المشجّعة للقطاع الخاص في الداخل و الخارج على إستيعابهم ، و قد يكون في إستحداث نموذجٍ شبيهٍ بالمرحلة الأخيرة من برنامج ” خدمة العلم ” القديم صورة معقولة تؤهّل الخريجين عبر التدريب في مؤسسات الدولة لمدة مؤقتة بشهادات خبرة أصوليّة كذلك تتناسب مع تخصصاتهم – مع تحفّظي على الإنتقادات المسيئة التي أدّت لإستثناء بناتنا من المشاركة بالتدريب العسكري في برنامج ” خدمة وطن ” ، فمؤسستنا العسكرية أمينةٌ عليهنّ و للجنديّة شرفٌ نالته العديد من بنات الوطن و ما زِلن – .

و في سياق الخصوصيّة الذهنيّة السائدة ، يرفض الأردنيّ العمل في ( محلّ ) بينما يرتضيه ضمن ( شركة ) متمتّعاً بالوصف اللّائق و المؤسَّسية المطمئنة ، و يتطلّب هذا التوسّع في ( شركات الخدمات الوجستيّة و الفنيّة المساندة ) لمنح العامل المظلة المقبولة و الضامنة لمتطلباته المعنوية و المادية ، و الشواهد على ذلك عديدة و متوفرة و تشابه من حيث المبدأ ما سنّته الحكومة لتحسين واقع قطاع النقل العام في المستقبل القريب تحت مظلات شركات متخصصة .

لم نصل بعد للمرحلة المُريحة المُهيّئة للقول بأنّنا نعالج المشكلات بالصورة السليمة لكنّ النتائج لن تظهر إلّا بمرور الوقت اللازم من الصبر المقرون بالعمل ، و من الموضوعيّة أن نُقرّ بأن المعالجات تأخّرت لسنوات و أنّ الحلول تحتاج شجاعةً و ثباتاً فالعبرة بالخواتيم لا بالشعبويات .

” من لا يفعل شيئا لا يخطئ ” ، و كما يقال في العربيّة ” سكّن تسلم ” ! لكنّ أنصاف الحلول التي تسعف الحكومة و تضمن لها المرور بأقلّ قدرٍ من النّقد و التعطيل لن تضمن للوطن مستقبلاً سوى المزيد من التراجع و التراخي و تراكم العُقد ما يزيد كُلَفَ الحلّ ، و هذا يدفعنا حتماً من باب العيش المشترك أن نتصدّى للمناعة الطبيعية المتجذّرة و المضادّة للمصلحة العامّة في كثير من الأحيان ، فالخلاصُ من شكوى ترهِّل القطاع الحكومي و سوء مستوى الخدمات أُجهِضَ برفضٍ شبه تامّ لمنحنيات نظام الخدمة المدنية التي تقصي الموظّف الضعيف أو تحفّزه لتحسين أداءه ، و كذلك ما يظهر بين الحين و الآخر من تكتّلاتٍ تناهض جهود مكافحة الفساد إذا إقتربت من نقاط تماسٍّ إجتماعيّةٍ معيّنة !

التشخيص قبل الدواء ، و علينا أن نمتلك الجرأة لنصِفَ لأنفسنا الدواء الشافي و الذي لا يكون مستساغاً بالعادة !

و لا بُدّ من منحِ المُجتهد الوقت الكافي ليتبيّن و نتبيّن نجاعة إجتهاده أو فساد رأيه ، و في كلا الحالين سنجني نتيجة قريبة من نقطة الوصول النّهائيّة إن لم نصلها حقيقة ، فالغاية هي الحكم و الفيصل بين التعنُّت و الثّبات .

و الله من وراء القصد .

التعليقات مغلقة.