صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الدين العام والقومي والاستثمار

الدين القومي حينما يشار إليه دون تفريق بين مديونية القطاع الخاص، ومديونية الحكومة ومؤسساتها، ويستخدم كأنه عبءٌ عامٌ على الدولة، إنما يهدف ذلك إلى تضليل العامة، وإلى إبراز إشارات سلبية لا تخدم الاقتصاد والاستثمار بأي شكل من الأشكال.

وصل الدين العام الحكومي في نهاية العام 2018بصافي قيمته إلى نحو 28 مليار دينار، أي ما يقارب 94% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

وهو دين نما بشكل مضطرد خلال السنوات 2012-2016، ثمَّ جرى العمل على اتباع سياسات تهدف إلى ضبط نموه، من جهة، وتوجيه دفة استخداماته من جهة ثانية.

ومن الواضح أنَّ الحكومة الحالية استطاعت أن تحقِّق هدف ضبط نمو الدين الخارجي، وأن تسعى إلى توجيه حواصله، عند الحاجة إليه، نحو قطاعات اقتصادية.

مع التركيز على أنَّ أي ديون جديدة لن تشكِّل عبئاً كلياً إضافياً على الدولة، وأنَّ التسديدات القائمة لن تواجهها مديونية تأكل من أثرها، أو تذهب بدورها في تخفيض نسبة الدين العام.

وقد سبق الإشارة في أكثر من مقال إلى أنَّ مشكلة الدين العام ليست في نسبته أو قيمته، وإنما في سببه، وهيكله، ومصدره. فإنْ كان السبب تغطية نفقات جارية، فهو عبءٌ كبيرٌ على الأجيال الحالية والقادمة، وإنْ كان هيكله قصير أو متوسط الأجل، فإنَّ ذلك يعني ضرورة الاستعداد دوماً لمزيد من الإيرادات العامة لتسديده، أي مزيداً من الضرائب والرسوم، أو مزيداً من التأجيل عبر ديون إضافية تؤدي إلى إطفاءٍ مؤقتٍ للدين القائم، وتأجيل ٍليوم السداد الحقيقي.

كما أنَّ الاستدانة من الداخل، أي من الجهاز المصرفي المحلي، هي بمثابة تجفيف فوائض البنوك لصالح الدين العام، بدلاً من ترك الفوائض للقطاع الخاص لاقتراضها في سبيل توسيع أعماله وتمويل رأسماله العامل أو الدخول في استثمارات جديدة، وذلك ما يُعرف بالمزاحمة على الائتمان بالمفهوم الاقتصادي. وبالضرورة، فإنَّ البنوك المحلية في العالم أجمع تُفضل إقراض الحكومات على إقراض القطاع الخاص، نظراً لأنَّ دين الحكومة مخاطرته تكاد تكون صفرية.

أما بالنسبة لمصدر الدين العام، فإنَّالديون التي تأتي من مصادر رسمية، عبر الدول والمؤسسات الدولية، هي في العادة ديون طويلة الأجل، منخفضة الكلفة، وموجَّهة بشكل أساس إلى قطاعات اقتصادية، أو معالجات تصحيحية.

ولعلَّنا اليوم في وارد تقنين الحصول على مزيدٍ من القروض، ضمن سياسة تسعى لتوجيه الدين نحو القطاعات الاقتصادية، ونحو بعض المجالات المتعلقة بالبنية التحتية والاستثمار المشترك مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي.

هذا التوجه ميزته أنه يحفز النمو ويؤدي إلى زيادة نمو الناتج المحلي بشكل أكبر من زيادة المديونية، ما سيعني انخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة التفريق بوضوح بين ما يسمّى الدين العام، وهو دين الحكومة ومؤسساتها المكفولة منها، سواء أكان عبر الديون المحلية أم الديون الخارجية، والدين القومي، وهو الدين العام للحكومة ومؤسساتها، مضافاً إليه ديون القطاع الخاص،أفرادٍ ومؤسسات، من الجهاز المصرفي في الدولة.

والغريب ما جرى تداوله مؤخراً من إشارات أنَّ مديونية الحكومة تضاعفت بين ليلة وضحاها إلى ما يربو على 63 مليار دينار، أو نحو 89 مليار دولار، ما جعل البعض يشعر بأن هناك ديوناً إضافية على الحكومة. وهو أمر يجانبه الصواب، وقد يهدف أحياناً إلى الإساءة إلى المناخ العام للاقتصاد، والذي بدأ بصراحة يعطي إشارات إيجابية منذ نهاية الربع الأخير من العام المنصرم، وخلال الربع الأول من العام الحالي.

الدين القومي يشمل إضافة إلى مديونية الحكومة المحلية والخارجية، التسهيلات المصرفية التي تقدمها البنوك للقطاع الخاص، من أفراد ومؤسسات، وهذا الأخير هو دين موجه أساساً للتنمية الاقتصادية، فديون القطاع الخاص، والمتعلقة بشكل خاص بالشركات بكافة أحجامها صغيرة ومتوسطة وكبيرة، هو ما يسمّى الرافعة الاستثمارية للبلاد. حيث تعتبر الأدبيات الاقتصادية أنَّ ديون القطاع الخاص من الجهاز المصرفي ترفع من دوره في الاقتصاد الوطني، كما أنها تشير إلى أنَّ القطاع الخاص يقوم بمشاريع ناجعة ومدروسة، ذلك أنَّ البنوك لا تُقرض أحداً ما لم تدرس حالته ووضعه وسيولته، وتدفقاته النقدية، وفي الحالة الأردنية فإنَّ البنوك الأردنية تعدُّ من البنوك الأكثر تحفظاً في منح القروض على مستوى المنطقة، ومن هنا فإن نسبة التعثُّر في قروضها تعدُّ أقل النسب إقليمياً وعالمياً وهي لا تتجاوز في أسوأ حالاتها 6% من إجمالي الديون. ومن هنا، فإنَّ البنوك وقروضها ظاهرة إيجابية في النمو الاقتصادي ورافعة حقيقية لنمو الاقتصاد وخلق الوظائف.

فعند الحديث عن أنَّ مديونية القطاع الخاص، المقيم وغير المقيم، للجهاز المصرفي تصل إلى  نحو 26 مليار دينار، من أصل ودائع تتجاوز 40 مليار دينار، فذلك يعني أنَّ هذا المبلغ قد تمَّت الاستفادة منه من قِبَل القطاع الخاص، أفرادٍ ومؤسسات، في تحريك قطاعات الاقتصاد المختلفة، فهناك من الشركات مَن توسَّع في عمله، أو موَّل إنتاجه، أو موَّل تجارته مع العالم الخارجي، وحتى الأفراد، فهناك مَن موّل عقاره، أو سيارته، أو حتى مشترياته، ورحلاته. أي أنه حركة سوق تلك القطاعات وأدّى إلى تحسين أدائها.

الدين القومي حينما يشار إليه دون تفريق بين مديونية القطاع الخاص، ومديونية الحكومة ومؤسساتها، ويستخدم كأنه عبءٌعامٌ على الدولة، إنما يهدف ذلك إلى تضليل العامة، وإلى إبراز إشارات سلبية لا تخدم الاقتصاد والاستثمار بأي شكل من الأشكال.

قيام البنوك بإقراض الودائع لديها، ضمن الضوابط التي يفرضها البنك المركزي ومتطلبات بازل العالمية، بما في ذلك كفاية رأس المال، واختبارات الضغوط بأنواعها المختلفة، وضمن توزيع المخاطر المختلفة، هذا الإقراض هو رافعةٌ اقتصاديةٌ للاستثمار ومشجعٌ على جذب المزيد منه، ومُعَبِّرٌ عن الاستقرار النقدي، وعن حركة النمو الاقتصادي في الدولة.

[email protected]

التعليقات مغلقة.