صحيفة الكترونية اردنية شاملة

” نيتس دي جي ” النسخة الأردنية

سلاح ذو حدين هي التّكنولوجيا المتطورة و المتسارعة ، و حتى لا نخسرها أو نخسر من جرّائها أصبح من الضروريِّ أن نبقي على قيمها الإنسانية و الرقابية الفعالة مع التخلص من فتنتها و آثارها الفتّاكة كمنصاتٍ لإطلاق للصواريخ اللّفظية و تناقل الدعاية الهدّامة .
و أمام ما يعصف بالمحيط ، أصبح التحوُّط من مسِّ الوحدة الوطنيّة و عوامل تماسك الدّولة و تحصين مؤسساتها و أمنِ مُجتمعها حاجاتٌ أساسيّةٌ تجاوزت الرّفاه و لم نعُد نملكُ ترف الوقت لنتبيّن إن كانت التكنولوجيا التعبيريّة ستُحدِثُ شرخاً أم لا ، بل الوقاية خير .

فالأمر أشبه بقانون السير ، حيث الجميع يرغب بأن يقود مركبته بالطريقة و السرعة التي يشاء مع حفظ سلامته و حقوقه عبر إجبار الغير على الإلتزام بتلك القواعد .

و أمام سلبيّة الإستخدام و آثاره المتمثّلة بسرعة الإنتشار و سعة النطاق و أبديّة الإساءة ، سنّت ألمانيا قانوناً صارِماً يُجرّم خطاب الكراهيّة و إثارة النعرات و الأخبار الكاذبة بما يمنح السّلُطات الألمانيّة الحقّ في إجبار إدارات مواقع التواصل – فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب و غوغل و غيرها – على حذف المحتويات المخالفة خلال مدة تبدأ من أربع و عشرين ساعة حتّى أسبوع و بغرامة تصل قيمتها إلى ( ٥٠ ) ألف يورو على تلك المواقع و حَملَ القانون إسم ” نيتس دي جي ” .
و هذا تماماً ما تنتوي بريطانيا سلوكه من طريقٍ إذ شرعت بمشاوراتٍ أساسها ” ورقة بيضاء ” ستنتهي بحزمة قوانين منها قانونٌ شبيهٌ للقانون الألماني – تصل عقوباته لحوالي ٤٪؜ من أرباح شركات مواقع التواصل السنوية – و تشريعات محلّيّة تعالج سوء الإستخدام ،
و يتّضح من هذا أن فلسفة الإجراء لا تهدف لمصادرة الرّأي أو الحجر عليه بل الموازنة بين المصلحة العامّة التي يغلّبها القانون منعاً للأذى و المصلحة الخاصّة التي تُصان طالما إبتعدت عن تهديد حياة و مصالح و حقوق و كرامة الآخرين فرادى أو جماعات ، و يشبه هذا القانون الإجرائيّ إغلاق مسرح جريمة أو إغلاق طريقٍ يشهد حادثاً خطراً في سبيل تطويق مصدر الأذى و التعامل معه بإجراءاتٍ مُستعجلةٍ تكبح جماح الشّائعة و تُطفئها .

و قد إنتهجت دولٌ برتوكولاتٍ تضع ضوابطاً لإستخدام الفضاء الإلكترونيّ بالإضافة للقوانين الناظمة له و مثال ذلك إستحداث وزارة الثقافة السعودية وثيقةً تنظّم نشاط ( المؤثِّرين ) على مواقع التواصل مما يستوجب منهم إستصدار رخصةٍ سنوية ، و قد سبقتها دولة الإمارات بإجراءٍ مشابه و قانونٍ مُشَدَّدٍ للجريمة الإلكترونيّة عُدِّلَ فغُلِّظَت عقوباته ردعاً للمُسيء و زجراً لغيره حِفظاً لأمن المجتمع و النّأي به عن الفتنة .

و بمقارنة سريعة لقانوننا ، نجد أن أسوأ ما فيه هو التسمية ، إذ أنّ لفظة ” الجرائم ” نادرةٌ ولا تصلح لقانونٍ تنظيميٍّ بل تقتصرُ على فصلٍ من فصوله فقط ، لكنّه مرِنٌ بصورته العامّة مع الحاجة لإصلاحه تشريعيّاً بالتّركيز على إيجاد تعريفات جامعةٍ مانعةٍ تسهِّل تبيان الفعل المُجرَّم ، ليكون القانون أشبه بدليل إستخدامٍ يتيح للمواطن تبيُّن حدود الفعل بين الإباحة و التجريم و بما لا يفقدنا الوسيلة الفعّالة المستحدثة في الرّقابة و التي يمارس الشعب من خلالها دوره وواجبه في الإصلاح ضمن الثوابت الوطنيّة ، بلا إفراط ولا تفريط .

فمن يعتقدُ أنّ سِهَامَ الكَلِمِ المرافقة – و التي سترافق بعلاقةٍ طرديّةٍ – المتغيّرات التي تعصف بالمنطقة عبثيّةٌ كمن يدفن رأسه بالرِّمال ، و لعلّنا نشهد منها سيولاً يوميّةً كشائعة حضور ١٠٠ شخص لحفل عشاء في السفارة الإسرائيليّة بالتزامن مع التشديد و التشدُّد الملكي بحُمرة خطّ القدس و الوطن البديل و التلويحُ بمناوراتٍ سياسيّةٍ و دبلوماسيّة ، و كذلك سيل الفرضيات و التحليلات المفزعة و المؤلمة التي تم تناقلها قبل القبض على الجاني في الجريمة البشعة التي نالت من روح الطفلة البريئة ” نيبال ” – رحمها الله – إذ نريد بقاء هذا التكافل و التعاضد لكن بما يراعي شعور المجني عليهم و ذويهم و يكفل عدم تداول المعلومات المُضلِّلة و المؤجِّجة إبتداءً و التي تُظهر الحادثة الفرديّة كظاهرةٍ شائعةٍ و مُتكرّرة .

إنّ ما يجري مُفزع و لا أثر أو رابط بينه و بين حرية التعبير ، فإذا أردنا حرّيّة تعبير بأقلّ قدرٍ من التجريم و الإجراءات البوليسية و القضائية فعلينا أن نمكّن الدولة من ممارسة واجباتها الوقائيّة و المواكبة للأحداث ضمن إختصاصها لوأد الشائعة و/أو الإساءة في وقتها ضمن الحدود التي لا بدّ من أن تتيحها القوانين و الأنظمة ، و هي – الدولة – لا تمتلك أيّ حقٍّ بل هي مجرّد جهةٍ تنفذ ما عليها من واجبات في سبيل حماية الوطن و المواطن و أمنهما .

نريد الحِفاظ على النَّصلِ النّافع من السيف التقنيِّ القاطع ، الزّهرةُ لا الشوكة ، و ألّا نستهين بحدّة هذا الأداة إن هيَ إستُخدِمَت في غير غاياتها ، فلا يناهض سياسة الإحتواء الخارجيّ سوى سياسة التكتُّل الدّاخليّ .

فلنتعامل مع التشريعات النّاظمة للرّأي بموضوعيّةٍ و تفهُّمٍ فالمصلحةُ العامّة أَولى بالصّيانة و الرّعاية مع إحترام الخاصّة بقدر ما تنسجم معها .

التعليقات مغلقة.