صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الاقتصاد ترياق الاستقرار

المعطيات على أرض الواقع في المنطقة ومن حولنا تشير صراحة إلى أنَّ الاقتصاد يقود اليوم موجة جديد من التغيُّرات السياسية في المنطقة والعالم، تغيُّرات، أو لنقل اضطرابات خرجت عن النطاق العربي إلى المنطقة بشكل عام. الاقتصاد اليوم هو معامل التفاعل الكيميائي، والمحرِّك، بل والمحفِّز الحقيقي لما يطال المنطقة من تغيُّرات في الجزائر وفي السودان وفي تركيا، وهناك امتدادادت في إيران لكنها مقموعة بعيداً عن الأضواء، والكاميرات والتصوير بشكل واضح. الاقتصاد بات العِلْمَ الذي يجب أن يتعلَّمه ويتعاطى معه رجال السياسة بشيء من الحكمة والوعي، خاصة حينما يتعلَّق الأمر بشريحة الشباب، أو حينما تمسُّ التطوُّرات والقرارات السياسية شؤون اقتصادية مثل القوة الشرائية للعامة. منطقتنا اليوم بكافة تضاريسها وجغرافيتها يقودها الاقتصاد نحو تعريف جديد للتغيُّر. فالنتائج الأخيرة لحزب العدالة والتنمية في تركيا تشير صراحة إلى أنَّ قوة السياسة لا تكفي وحدها، إن لم تلازمها رافعة اقتصادية تحافظ على استقرار دخل المواطن، وتؤدي إلى خلق الوظائف وتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ومتوازنة. فالضغوط الاقتصادية في تركيا، والتي ولَّدت تضخماً وصل إلى نحو 20%، أدت إلى تحقيق انخفاض حقيقي في القوة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود والمتدني، وهم الشريحة الكبرى في صناديق الاقتراع، وهم بالضرورة ما استطاعت المعارضة أن تستهوي طموحاتهم وأن تكسب ودَّهم وأصواتهم. والتغيُّرات التي وصلت إلى الجزائر كان وقودها الأوضاع الاقتصادية المتردية، والتضخُّم الناتج عن طبع النقود كبديل للاقتراض الخارجي، وهي سياسات خاطئة وصلت إليها الدولة بعد فشل المحرِّك الاقتصادي، وتفاقم العجز، وظهور التضخُّم الذي الْتَهَمَ الجزءَ الأكبرَ من دخول العامة، وعزَّز من أثره زيادة البطالة، وخاصة بين شريحة الشباب. الوضع في السودان لا يختلف كثيراً عمّا سبق من تآكل القوة الشرائية للطبقة العاملة، وعدم توافر وظائف للشباب، وفقر السياسات العامة التي ركَّزت على عنصر المال بدلاً من التركيز على عنصر التنمية وتحريك الاقتصاد ومعالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، والتي على رأسها التوسُّع في الإنفاق العام دون رُشد، أو حصافة، أو شفافية. النتيجية أنَّ المُساءلة جاءت من الشارع، سواء عبر الانتخابات ونتائجها، أم عبر التحركات الشبابية والنزول إلىالشوارع. السياسات الاقتصادية اليوم هي الوقود المحفِّز للتحرُّكات في المنطقة والعالم. معدلات البطالة، والفقر، ونتائج النمو الاقتصادي الحقيقي، وحجم التوسُّع في السوق، ومستوى جذب الاسثتمارات الجديدة، جميعها باتت المُحدِّد الرئيس لاستقرار الاقتصادات وصمود الحكومات في الشارع. اكتساب ثقة المواطن بالحكومات، لم يعد عبر البرلمانات، برغم أهميتها، ولكن عبر مؤشرات الاقتصاد الكلي. الحكومات التي تسعى إلى ترك أثر، أو للبقاء والصمود والاستمرار، هي تلك التي تبني منظومة عمل تؤدي في النهاية إلى معدلات نمو يلمسها الناس في كافة المناطق، وتسهم في خلق الوظائف المجدية، وتضبط إنفاقها وعجز موازنتها حتى لا ينفلت إلى تضخُّم، وطبع نقود، وتبخُّر للقوة الشرائية للعامة. السياسات الاقتصادية المؤدية إلى الاستقرار والازدهار هي تلك التي تؤدي إلى توسيع الاستثمار القائم، وجذب استثمارات جديدة، وهي تلك التي تسهم في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بل ومتناهية الصغر، للأفراد ولأصحاب المبادرات الشبابية الإنتاجية. ثقة العامة بأنَّ الاقتصاد يعمل بشكل جيد، وشعورهم، بل وإحساسهم الفعلي، بأنَّ الاقتصاد يحقِّق نتائج إيجابية حقيقية تنعكس على دخولهم، وتولِّد وظائف للجميع، وأن الحكومات تعمل بشفافية وعدالة، هو التصويت الحقيقي على الثقة بما تنفِّذه الحكومات من برامج اقتصادية وسياسية واجتماعية. الدرس الوحيد من المنطقة والعالم اليوم هو أنَّ “الاقتصاد أولوية“، فمراكز  القوة في العالم تسعى من خلال الاقتصاد إلى تثبيت وجودها على خارطة القوة العُظمى عالمياً، فلم تكن مبادرة الحزام والطريق، الصينية المنشأ، إلا بوابة اقتصادية للتموضُع عالمياً، وما كانت السياسات الخلافية التي تقودها الإدارة الأمريكية في بناء السور مع المكسيك، أو في إعادة التفاوض حول مبادئ التجارة الحرة، أو فرض العقوبات التجارية، أو حتى منح المزيد من التخفيضات الضريبية داخلياً سوى مؤشِّرٍحقيقيٍّ بأنَّ الأنظمة العالمية تؤمن بأنَّ استقرارها داخلياً، وتموضعها في الخارطة العالمية للقوى العظمى اكسيره، وعامل تنشيطه، ومحفزه الاقتصاد ولا شيء غيره. ومن لم يقتنع فليقرأ الخارطة الإقليمية والعالمية الحالية بعناية،ولينظر إلى استشراف المستقبل من ذلك المنظور الاقتصادي.

التعليقات مغلقة.