صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الموارد البشرية: اكتساب العقول قبل تهجيرها

العمل على تخطيط العمالة واستيعابها يحتاج إلى تخطيط وتنسيق بين كافة متطلبات السوق، وخاصة تلك المتطلبات التي تساعد على استمرار، وتطوُّر، ونمو، وتوسُّع القطاع الخاص القائم، ومن ثمَّ، وبالتوازي مع ذلك،  جذب استثمارات إضافية للبلاد

ثلاث قضايا في الموارد البشرية الأردنية لا بدَّ للمخطِّط وصانع القرار الحكومي أن يتعامل معها وفق استراتيجية متكاملة للموارد البشرية. ذلك أنَّ المورد البشري الأردني هو الكنز الحقيقي الذي لا ينضب، وهو سبيل تحريك أيِّ تنمية حقيقية، ناهيك عمّا اكتسبه ويكتسبه من خبرات عالمية اليوم عبر انتشاره في كافة أنحاء العالم.

أمّا القضية الأولى فهي في ضرورة التخطيط آنياً ومستقبلاً للكيفية المناسبة لاستيعاب الموارد البشرية التي يولِّدها الاقتصاد سنوياً، وهي لا تقلُّ عن 100 ألف شاب وفتاة تقريباً، وهو ما يعني الحاجة الماسة إلى التخطيط السليم لمتطلَّبات سوق العمل المحلي اليوم وخلال السنوات القادمة، على المستوى المتوسط والبعيد.

التخطيط لاستخدامات القوى البشرية أساسه، من جهة، التأهيل المناسب للقوى البشرية، وهنا المقصود تزويدها بالمهارات والمؤهلات، التي تتناسب ومتطلبات سوق العمل الآني والمستقبلي.،دون الإكتفاء بمنح الشهادات العملية أو المهنية.

ومن جهة ثانية، تسهيل عمل آليات السوق لاستيعاب المزيد من العمالة. كما يتطلَّب، من جهة ثالثة، دراسة واقعية لما يمكن إحلاله من عمالة محلية بدلاً من الوافدة، والمقصود بالواقعية هنا، هو الإحلال المبني على احتياجات السوق من العمالة الأردنية ضمن مؤهلاتها وكفاءتها، وتوفير الاحتياجات الحقيقية من العمالة الوافدة، ضمن سوق استقطاب مفتوح على شتى أنواع العمالة المكمِّلة للنقص في العمالة المحلية.

وفي الحالتين فإنَّ الحديث يقود بلا شكٍّ إلى ضرورة حل مشكلات الاستثمارات القائمة لتحفيزها إلى العمل والتوسُّع وفتح الأسواق الجديدة، وجذب استثمارات إضافية عبر سياسات تشجيع استثمار حقيقية تؤدي إلى التوسُّع في استغلال موارد الدولة واستيعاب المزيد من العمالة الأردنية. السوق الأردني اليوم يشكو من صعوبة العمل ويتطلَّع إلى التشبُّث بالبقاء، وهذا بحد ذاته لا يؤدي حتى إلى الاحتفاظ بالعمالة القائمة لديه، فما بالك باستيعاب العمالة القائمة، أو القادمة.

العمل على تخطيط العمالة واستيعابها يحتاج إلى تخطيط وتنسيق بين كافة متطلبات السوق، وخاصة تلك المتطلبات التي تساعد على استمرار، وتطوُّر، ونمو، وتوسُّع القطاع الخاص القائم، ومن ثمَّ، وبالتوازي مع ذلك،  جذب استثمارات إضافية للبلاد.

أمّا القضية الثانية في الموارد البشرية الأردنية فهي العمالة الأردنية في الخارج، والتي قد تصل إلى ما يوازي عدد العمال الأردنية المقيمة في المملكة، وربما تزيد عليها. هذه العمالة اليوم تحتاج إلى مرصدٍ حقيقي، ومنصة حقيقية، ترصد تحديداً إمكانات تلك العمالة، وأماكن تواجدها، والخبرات التي اكتسبتها، والمهارات التي تتوافر لديها. وهو أمرٌ يمكن أن تسهم به وزارة الخارجية وشؤون المغتربين عبر السفارات.

هذا المرصد على أهمية كبرى لأمرين: الأول هو كيفية الاستفادة من هذه العقول آنياً ومستقبلاً. فسياسة اكتساب العقول وإعادة توطينها في ديارها، أهم بكثير من سياسة تهجيرها، أو التخطيط لفتح وظائف لها في الخارج. الاقتصادات أولى بمواردها وإمكاناتها. لو أن تصدير العمالة وفتح أسواق لها خارج الدولة، أو الخلاص منها لتخفيف البطالة سياسة ناجعة، لكانت الصين أكبر مُصَدِّر للعمالة حول العالم. ولكن الصين اليوم هي أكبر مُصَدِّر لمُنتجات تلك العمالة، حتى وهي دولة ينقصها العديد من المواد الخام التي يحتاجها الكثير من منتجاتها، بل وتستورد الطاقة من منطقتنا. علينا أن نعي منذ اليوم أهمية بناء مرصد للمعلومات حول طاقتنا البشرية في بقاع الأرض، وعلينا اليوم أن نبدأ بالتفكير في كيفية تحفيزها إلى عودة بعضها بخبراتها ومكتسباتها لخدمة الاقتصاد الوطني وتطويره.

بقي القول إن غالبية الدول التي تسعى للنمو والتنمية والتطوُّر تستقطب العمالة الخارجية، وتُنمّي مواردها البشرية المحلية؛ فالدول المستوردة للعمالة اليوم هي أكثر الدول نمواً وتنمية. القضية الثالثة في سياسات الموارد البشرية الأردنية هي ضرورة التحوُّل إلى فكر تطوير وبناء، والتخطيط للقوى البشرية بدلاً من الاكتفاء بسياسات إدارة سوق العمل عبر سياسات تقتصر على منح رخص للعمال الوافدة، وبرامج لتوظيف عمالة أردنية قائمة لا تجد وظائف، ومشاريع متواضعة نسبياً في التدريب المهني والتعليم التقني.

هناك حاجة حقيقية إلى التحوُّل بجدية نحو سياسات للموارد البشرية تقودها وزارة متخصصة، وهنا تأتي أهمية تحويل وزارة العمل، المُثقلة اليوم بمهام كثيرة لا شكَّ أنها تقوم بها على أكمل وجه،  إلى وزارة فاعلة للموارد البشرية الوطنية، مع تجريدها من كافة الأدوار والإجراءات التي تستغرق معظم وقتها، وخاصة ما يتعلَّق بمنح تصاريح العمالة الوافدة، وملاحقة المتخلفين منهم، والتفتيش وغيرها من الوسائل التي يمكن لوزارة الداخلية، عبر المحافظين، أو حتى مؤسَّسات الحكم المحلي، عبر البلديات، القيام بذلك.

المورد البشري الأردني كنز يتطلَّب استغلاله حسن التخطيط له، وحسن إدارته، ويستحق أن يكون الأولوية الأولى للدولة، فهو سبيل التنمية، وهو السبيل إلى الاستغلال الأمثل لكافة طاقات وموارد وإمكانات الدولة.

 

[email protected]

التعليقات مغلقة.