صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأهداف التنموية المُستدامة

تلخَّصت مكونات تلك الأهداف في منظومة متتالية من التوجهات حول قضايا الفقر ومكافحته والخلاص منه نهائياً، وتحسين مستوى التعليم، والتساوي بين الجنسين أو "المساواة الجندرية"، والبيئة الصحية النظيفة المستدامة وخاصة في مجال المياه، أو الطاقة، أو الصحة، أو الحياة البرية والبحرية، أو المناخ الصحي

أطلقت منظمة الأمم المتحدة مع نهاية العام 2015، الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة، بهدف التحوُّل عالمياً نحو أجندة تنمية مستدامة متكاملة المقومات، وقد باتت الأهداف منذ العام 2016 خارطة طريق نحو خطة تنمية مُستدامة عالمياً في العام 2030، أملاً في الوصول إلى عالم تعيش فيه مجتمعات أكثر استدامة وأماناً وتمكيناً. وقد تلخَّصت مكونات تلك الأهداف في منظومة متتالية من التوجهات حول قضايا الفقر ومكافحته والخلاص منه نهائياً، وتحسين مستوى التعليم، والتساوي بين الجنسين أو “المساواة الجندرية”، والبيئة الصحية النظيفة المستدامة وخاصة في مجال المياه، أو الطاقة، أو الصحة، أو الحياة البرية والبحرية، أو المناخ الصحي.

ويتمخض عن ذلك كله اقتصاد صحي مُستدام يدعم النمو، والريادة، والابتكار، والبنية التحتية، والاستهلاك والإنتاج القائم على المسؤولية المجتمعية والمسؤولية في الترشيد الاستهلاكي للفرد والترشيد الصناعي في استخدام الموارد الطبيعية والبشرية والخامات من قِبَل المؤسَّسات. كما تقوم منظومة الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة على المدن والمجتمعات الصحية المستدامة، التي تنعم بالمساواة بين مكوناتها الفردية والإنتاجية والصناعية، والمسؤولة في استهلاكها، وإنتاجها، وفي الحفاظ على البيئات التمكينية، والموارد الاقتصادية في البر والبحر. ويتوج الأهداف المذكورة جميعها هدف الشراكة التامة بين القطاعين العام والخاص في ضمان استدامة التنمية، وفي خلق مناخ اقتصادي مجتمعي يُحقِّق الأهداف التنموية المستدامة في كافة المجتمعات. وهو ما يُعزِّز مفهوم التنمية المجتمعية التشاركية بين القطاعين العام والخاص من جهة، ويُعزِّز مفهوم ثنائية العوائد في القطاع الخاص، من جهة ثانية.

تلك الثنائية التي تقوم على أن العائد المالي من أي صناعة، أو مشروع، أو خدمة يُقدمها القطاع الخاص، يجب أن يرافقه الحرص على عائد اجتماعي، ومجتمعي، يقوم على المسؤولية المجتمعية الكاملة للقطاع الخاص عن تنمية المجتمعات التي يعمل بها، وعن خلق بيئة ومناخ مستدام. فتمكين المجتمعات وخلق بيئة اقتصادية، وصحية، مجتمعية نظيفة، هي ضمن ضمانات استمرار عمل القطاع الخاص وتحقيقه لهدفه في تعظيم الأرباح والمنافع من أي مشروع يقوم به. الاقتصادات العربية، بشكل عام، والأردن بشكل خاص، في أمسِّ الحاجة إلى ربط أهداف التنمية، وأهداف الموازنة العامة للدولة، وأهداف خطط الإنتاج، والنهضة، والأجندات الوطنية، بمنظومة أهداف التنمية المستدامة التي تقودها برامج الأمم المتحدة اليوم.

وهنا، من جهة، لا بدَّ من الإشارة إلى أهمية التوجُّه نحو صياغة أهداف تنموية تعيد الألق إلى قطاعات الخدمات الرئيسة في مجال التعليم، والصحة، والنقل، والطرق والاتصالات، وجميعها قطاعات تحتاج إلى تصويب وتجويد بيئة العمل عبر بنية فوقية أفضل، وذلك من خلال التركيز أساساً على تطوير الانسان، أي المورد البشرية القائم على هذه القطاعات، وتطوير أنظمة وإجراءات العمل فيها، وذلك جنباً إلى جنب مع تطوير البنية التحتية القائمة على المباني، والمرافق، والمختبرات، وغيرها. ومن جهة ثانية، تعدُّ قضايا المساواة، والحقوق الجندرية بين الجنسين، من أكثر التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني، والتي تحتاج إلى وقفة حقيقية، فالواقع والمؤشرات الدولية والعالمية يشيران إلى تقصير في مستوى المساواة، وذلك ليس فقط في قضايا مشاركة المرأة في سوق العمل، والتي تعدُّ من أدنى المعدلات عالمياً، ولكن أيضاً في مستوى دور المرأة في قضايا صنع القرار، وفي الإدارة، وحتى في مجال الحصول على الدورات التدريبية، وفي مجالات بناء القدرات، وغيرها. ومن جهة ثالثة، فإنَّ معدلات الفقر والبطالة المُعلن عنها رسمياً تضع الأردن ضمن أكثر دول المنطقة حاجة إلى تحقيق متطلبات أهداف التنمية المستدامة، خاصة مع ظهور الأرقام الجديدة حول معدلات الفقر، وحالة جيوب الفقر، التي ارتفعت بشكل ملحوظ منذ العام 2010، وعليه، فإنَّ موضوع التعامل مع الفقر ومكافحته، يحتاج إلى مقاربة جديدة بفكر جديد وبتفكير خارج الصندوق.

اليوم منظومة الفقر والبطالة تحتاج بلا شكٍّ إلى مقاربة تعتمد ليس فقط على برامج مكافحة الفقر، ودعم الأسر، وتقديم المعونات الوطنية، وإنما على فكر يقوم بتحسين البيئة الاقتصادية، والتشارك مع القطاع الخاص بهدف خلق فرص تنموية في كافة المحافظات، فُرص تؤدي في النهاية إلى استغلال إمكانات الاقتصاد الوطني في كل محافظة، وبالتالي خلق اقتصاد محلي قائم على تنافسية كل محافظة وكل منطقة، وخلق وظائف، وتحسين مستوى استغلال الموارد المحلية، ومن ثمَّ تقديم عوائد مادية واجتماعية في المناطق المختلفة وبالتعاون التام مع القطاع الخاص، وهو المحور الأساس للهدف السابع عشر من أهداف التنمية المستدامة.

بقيت الإشارة إلى أنَّ أهداف التنمية المستدامة تقوم على أساس المسؤولية الفردية والمجتمعية في قضايا ترشيد الاستهلاك والإنتاج، وهو أمر يُحتِّم وضع أنظمة وقوانين تمنع الجور على الموارد الطبيعية في أي دولة من جهة، وتدعم وضع قوانين تُحفِّز إلى الاستهلاك الرشيد لكل ما تنتجه الطبيعة في البر والبحر والسماء، وإلى قوانين وأنظمة لحماية المستهلك، وحماية المجتمع، وكذلك حماية الصناعة المحلية، والمستثمر المحلي والأجنبي، والمحصلة النهائية من ذلك كله هو تحسين مستوى تنافسية الاقتصاد، وتحويله إلى اقتصاد تنموي مُستدام ومتمكن.
27/4/2019
[email protected]

التعليقات مغلقة.