صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حزمة أمان جديدة

لا بد للحكومة أن تتبنى خطة أمان اجتماعيّ تعمل على حماية الطبقات الوسطى والفقيرة في المجتمع من أثار السياسات الماليّة، ويكون هذا بحزمة متكاملة من الإصلاحات الاجتماعيّة وتخصيص المخصصات الماليّة للدعم المباشر للأسر غير المنتجة، مصحوبا ببرامج تأهيل وتشغيل للشباب الأردني في مختلف جيوب الفقر

لا يخفى على أحد حجم الآثار السلبيّة التي شهدها الأمن المعيشيّ للمواطنين في السنوات السابقة التي تحمّلت جيوبه جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص فشل كُلّ السياسات للإدارة الاقتصاديّة الرسميّة التي أدت إلى ما هو عليه الآن.

في ضوء السياسات التقشفيّة التي أُتبعت في السنوات الماضيّة في سبيل الإصلاح الماليّ، والذي لم يحدث طبعاً، فإن أكبر التحديات التي تعصف بالأمن المعيشيّ للأردنيين هو انتشار مُعدّلات البطالة في صفوف الشباب، والتي تجاوزت اليوم نسبة الـ 18.7 بالمئة، ناهيك عن انتشار جيوب الفقر في محافظات المملكة والتي بلغت 31 جيباً.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، فالكُلّ يعلم أن مُعدّل زيادة دخل الأسرة الأردنيّة في حال جمود تام منذ خمس سنوات، وآخر زيادة لموظفي الدولة بشكل عام كانت في عام 2011 في عهد حكومة سمير الرفاعي، ومنذ ذلك التاريخ لم يحصل العاملين في القطاع العام على أي زيادات من الخزينة التي تضاعفت مشاكلها وتنامت اختلالاتها في ظل عجز ماليّ مُزمن يتجاوز ملياري دولار سنويّاً قبل المساعدات.

حتى القطاع الخاص دخل في نفق مُظلم نتيجة السياسات الحكوميّة التي كانت تصب أولا وأخيرا على الاعتداء المباشر على إيراداته إن جاز لنا التعبير، وهو ما أثر على أعماله التوسعيّة وخططه المستقبليّة، وبالتالي حدّ من قدرته على الاستمرار في ظل تنامي خسائره، وهو ما انعكس سلباً على قدراته في التوظيف وخلق فرص جديدة.

أما الموازنة فتمتعت في السنوات الماضيّة بدعم استثنائيّ من جيوب المواطنين وإيرادات القطاع الخاص ومساعدات خارجيّة غير مسبوقة حصل عليها الاقتصاد الوطنيّ، لا بل استطاعت الحكومات في النهاية إزالة مخصصات الدعم عن المحروقات التي كانت ترُهق كاهل الخزينة.

في المقابل؛ استمر العجز الماليّ وارتفعت المديونيّة إلى مستويات غير آمنة على الإطلاق، ووصل الدين إلى أكثر من 24 مليار دينار أو ما نسبته 94 بالمئة من الناتج المحليّ الإجماليّ، كما ارتفعت مُعدّلات البطالة والفقر وتراجع النُمُوّ الاقتصاديّ إلى أدنى مستوياته وتجمدت العملية الاستثماريّة، إلى جانب هبوط حاد في التدفقات السياحيّة وحوالات المغتربين والصادرات الوطنيّة.

هذا الوضع فرض على الحكومة السير في خطوات اقتصاديّة سريعة من خلال اللجوء إلى صندوق النقد الدوليّ غالبيتها ستفضي إلى زيادة الأعباء الماليّة على القطاع الخاص وجيوب المواطنين الذي هم بالأصل يعانون من تداعيات السياسة الاقتصاديّة السابقة.

هنا يُتحتم على الحكومة أن تنظر إلى المسألة بنظرة شموليّة أكبر من تحصيل إيرادات سريعة للخزينة فقط، وإنما يمتد الأمر إلى الحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعيّ وتعزيز التوازن بين عملية الإصلاح الماليّ وتداعياتها الاجتماعيّة.

في هذا الاطار؛ لا بد للحكومة أن تتبنى خطة أمان اجتماعيّ تعمل على حماية الطبقات الوسطى والفقيرة في المجتمع من أثار السياسات الماليّة، ويكون هذا بحزمة متكاملة من الإصلاحات الاجتماعيّة وتخصيص المخصصات الماليّة للدعم المباشر للأسر غير المنتجة، مصحوبا ببرامج تأهيل وتشغيل للشباب الأردني في مختلف جيوب الفقر وبالتعاون مع القطاع الخاص الذي يتطلع هو الآخر إلى حماية اجتماعيّة من خلال تسهيل وتبسيط الإجراءات والمعاملات عليه وتحفيز أنشطته، وغير ذلك فسيكون المردود على الإصلاح الماليّ في المديين المتوسط والبعيد وخيمة على الاقتصاد الوطنيّ وعلى استقرار وأمن المجتمع.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.