صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تَخَبّط حكوميّ

الأردن لا ينقصه الخطط والبرامج ولا أسماء جديدة لوزاراته ووزرائه، كُلّ ما يحتاجه فقط هو الإرادة في التنفيذ والإخلاص في العمل لا أكثر

ماذا يعني أن تتغير أسماء الوزارات في التعديل الوزاريّ الأخير، وتتحول وزارة الاتصالات إلى وزارة الاقتصاد الرقميّ والريادة والبلديات إلى الإدارة المحليّة، وتعود من جديد وزارة التطوير المؤسسيّ.

طبعاً الرأي الرسميّ والمساند بهذه التغييرات يؤكد أن وزارة الاقتصاد الرقميّ ستكون معنية بعمل واحتضان الرياديين في المرحلة الراهنة، وإطلاق منصة لتنظيم أعمالهم ومساندتهم في إشهار وإطلاق مشاريعهم وتقديم كافة سبل الدعم لهم ونشر أفكارهم ومشاريعهم في باقي أنحاء المُجتمعات لتعميم الفائدة منهم.

وقد يقول آخر أن تغيير وزارة البلديات إلى الإدارة المحليّة يعني أن هُناك توجّه لتعزيز مفهوم اللامركزيّة المثير للجدل في الشّارع والذي مازالت تجربته تتعرض لانتقادات واسعة النطاق.

اما عودة وزارة التطوير المؤسسيّ فهو له ما يبرره أيضا، فالحُكومة وعلى ضوء سيرها في مشاريع إصلاح القطاع العام، وان الأمر بحاجة إلى تفعّيل الرقابة المؤسسيّة على الأداء الرسميّ.

كُلّ المبررات السابقة لإنشاء وزارات جديدة صالحة لِكُلّ زمان ومكان ولا تخص حكومة بعينها، بدليل أن حكومة الرزاز في التعديل الأول ألغت وزارة التطوير المؤسسيّ وأرجعت وزارة تطوير القطاع العام لتزيلها في التعديل الثاني ومن ثم تعيدها في التعديل الثالث.

هذا أن دلّ على شيء فإنما يدّل أن إنشاء وزارة التطوير المؤسسيّ هو لتلبية أغراض شخصيّة في الرئيس نفسه وليست من باب التطوير والإصلاح.

ما قامت به حكومة الرزاز من تغيير الوزارات أمراً ليس محصورا بها فقط، فغالبية الحكومات السابقة استحدثت هي الأخرى مناصب وزاريّة ومسميات جديدة لوزارات سرعان ما اختفت برحيل تلك الحكومات.

تغييرات مسميات الوزارات أمر يخص الوزراء أنفسهم، ولا يعني شيئا للشّارع ولا للأداء العام، فوزير الاتصالات سيكون بإمكانه أن يتغنى اليوم بانه أول وزير للاقتصاد الرقميّ في المملكة حتى لو جلس في منصبه لأشهر قليلة، فهو أمر في النهاية لا يعني الشّارع بقدر ما يضاف لسجل الوزير لا اكثر.

طبعا تغيير أسماء الوزارات ليس بالأمر الإيجابيّ وأن كان هناك هدف من وراء التغيير، فالتقرير الرسميّ للوزارة يختفي مع اختفاء الحكومة، وتعود الوزارة بعد ذلك إلى مسمياتها الحقيقية حسب الأصول الدستوريّة والقانونيّة المتعارف عليها.

الأساس في استحداث المهام والأحزاب في العمل الوزاريّ هو تأسيس وحدات أو هيئات لمتابعة هذا الهدف وليس تغيير اسم الوزارة على اسم الهدف المرجو، فإذا كان الهدف لتعزيز خدمات الحكومة الإلكترونيّة فان هذا لا يعني أن نغير اسم الحكومة إلى حكومة إلكترونيّة، كُلّ ما في الأمر بحاجة فقط إلى تأسيس وحدة عمل لتحقيق هذا الهدف داخل الوزارة المعنية لا اكثر.

تنمية المبادرات الرياديّة والنهوض بالاقتصاد الرقميّ لا يتطلب استحداث وزارة ولا إلغاء أخرى، كُلّ ما في الأمر قسم داخليّ يعني بهذا الأمر وهذا ما حدث فعلا في موضوع الحكومة الإلكترونيّة التي كان لها مديرية متكاملة في وزارة الاتصالات.

حتى ما يسمى بوزارة الإدارة المحليّة والتطوير المؤسسيّ، هي احدى الأهداف الأساسيّة لعمل أي حكومة وهي من المفترض أن تكون في صميم العمل الرسميّ الروتينيّ، فلا يعقل أن نكون في الألفية الثانية ولا يوجد ما يعزز العمل المؤسسيّ ذاتيّاً.

تغيير أسماء الوزارات والمؤسسات لا يؤشر على الإنجاز الرسميّ، بل انه قد يدلّل على التخبط الحكوميّ، ففي السابق كان لدينا في الأردن معهد الإدارة العامة، وكانت مخرجاته مثالا حقيقيّاً بتنافسيّة الأردن في المنطقة، وكانت الإدارة العامة للقطاع العام أنموذجا في الكفاءة والإنتاجيّة، وصدّرت منه كفاءات للمنطقة وكانت مفخرة وطنيّة بامتياز، بعدها تم تحويل المعهد إلى وزارة للتطوير العام ومرة للتطوير المؤسسيّ، والنتيجة التي حصلت عليها هو ضعف في العمل العام وبيروقراطيّة قاتلة وطاردة، وضعف للإنتاجيّة، وترهل إداريّ على كافة المستويات، فيا ليتنا بقينا على معهد للإدارة العامة بدل تلك الوزارات المُستحدثة.

الأردن لا ينقصه الخطط والبرامج ولا أسماء جديدة لوزاراته ووزرائه، كُلّ ما يحتاجه فقط هو الإرادة في التنفيذ والإخلاص في العمل لا أكثر، والعودة إلى بث روح المسؤوليّة والانتماء في الكادر الوظيفيّ على مختلف المستويات الإداريّة.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.