صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الطبقة الوسطى والزيادة السنوية للضمان

سمعنا مؤخراً عن تغييرات مخططة جديدة في قانون الضمان، منها ما يطال التقاعد المبكر، ومنها ما يطال الزيادات السنوية. وسأركز في هذا المقال على محور الزيادة السنوية للمتقاعدين، بسبب عدم خضوعها للمناقشة والتقييم من قبل الاعلام الاقتصادي

ربما لا يوجد تشريع يؤثر في الاقتصاد والمجتمع مثل قانون الضمان الاجتماعي الشامل. فهو يؤثر في أداء ومالية وتوظيف المنشآت كافة، كمشاريع التوظيف الذاتي والمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والكبيرة، الناشئة منها والناضجة. وهو يؤثر أيضاً في مختلف القطاعات: القطاع العائلي وقطاع الأعمال والقطاع الحكومي. حتى أكثر القطاعات الاقتصاديةالواعدة والمدعومة، مثل الشركات الرقمية الريادية مثلاً،هي ليست بمعفية من الأعباء المالية لقانون الضمانولو مؤقتاً. أما تأثير الضمان على الأفراد المتقاعدين، فهو أوضح من أن يُفصّل.

سمعنا مؤخراً عن تغييرات مخططة جديدة في قانون الضمان، منها ما يطال التقاعد المبكر، ومنها ما يطال الزيادات السنوية. وسأركز في هذا المقال على محور الزيادة السنوية للمتقاعدين، بسبب عدم خضوعها للمناقشة والتقييم من قبل الاعلام الاقتصادي.

بداية، لابد من النظر في سبل تعزيز رواتب كافة متقاعدي الضمان، لأسباب عدة ليس أقلها ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة التي تطال الجميع بمن فيهم الطبقة الوسطى. والمعروف ان للطبقة الوسطى أعباء والتزامات مالية تتناسب ودخلها الأعلى، وهذه الأعباء تفرضها طموحاتهم المهنية وتوقعاتهم الشخصية، كوضع أبنائهم في مدارس خاصة ودفع أقساط القروض السكنية..الخ.

في عام 2018، بلغ معدل التضخم مقاساً بالرقم القياسي للمستهلك 4.5%. فمن كان راتبه التقاعدي مثلاً 1000د، كونه من الطبقة الوسطى، فانه يحتاج الى 45 دينار زيادة في الراتب التقاعدي لكي يبقى عند (نفس) مستوى المعيشة المتحقق سابقاً. هذا هو الربط العادل والمتوقع بين الأجور والأسعار.

لكن القانون المعمول به حالياً وضع قيوداً تحد من مقدار الزيادة السنوية لراتب المتقاعدين، منها وضعسقف أعلى للزيادة السنوية لأي متقاعد بواقع 20 دينار بغض النظر عن راتبه التقاعدي وبغض النظر عن معدل التضخم السنوي. وتحديداً بلغ هذا السقف 21.5 دينار في عام 2018. فالذي راتبه 1000د حصل في عام 2018 على 21.5د من أصل 45د. أي أقل من نصف المبلغ اللازم لحماية قوته الشرائية وليس لتحسينها في العام قيد الدراسة.

المقترح في التعديل الجديد يزيد هذا الوضع سوءاً، من خلال: توزيع قيمة الزيادة بالتساوي على كافة المتقاعدين المستحقين لها. بحيث تتساوى زيادة المتقاعد ممن راتبه 1000د مع زيادة المتقاعد براتب 400د مثلاً. ووفقاً لحسابات الضمان تصبح زيادة من راتبه 1000د شهرياً 8 دنانير فقط!، وهو متوسط الزيادة لكل المتقاعدين. أي ما نسبته 8.0% أو أقل من 1% من اجمالي راتب المتقاعد من الطبقة الوسطى وليس 4.5% كما هو مفترض من الناحية المعيارية. أي أقل من ربع الزيادة المعيارية المتوقعة.

أي أن مقترح التعديل في القانون سيفرض اعادةتوزيع اجمالي الزيادات، ويعطي ذوي الراتب الأدنى من ذوي الراتب الأعلى (الطبقة الوسطى والأعلى).

لكن كما هو الحال مع المالية العامة، فان تكبير كعكةالضمان بتحسين عائد الاستثمار هو اجراء أولى بأضعاف من التفكير في اعادة توزيع الكعكة. واذا كان لابد من اعادة التوزيع لضعف التفكير الاستثماري الابداعي، فليتم من خلال الأخذ من زيادة المتقاعدين الأعلى دخلاً الى المتقاعدين الأدنى دخلاً، دون المس بالطبقة الوسطى المتآكلة.

وكما أن الأستدامة المالية أمر أساسي، لكن لها جانب استثماري هام، ولابد من العناية به بدلاً من الاتكاء دوماً على زيادة الاشتراكات وتقليص منافع المتقاعدينالذين يصنفون معظمهم بذوي الدخل المحدود. وهنالك رأي معروف لخبراء صندوق النقد الدولي بارتفاع اشتراكات الضمان المفروضة على القطاع الخاصوالعائلي (21.75% من اجمالي الأجور) في الاردنوأثرها السلبي على التوظيف الرسمي وتحفيز التوجه نحو الاقتصاد غير الرسمي.

التعليقات مغلقة.