صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأعمال بخواتيمها

من الطبيعي أن نتوقع أن تكون خواتيم السياسات الانكماشية، بما فيها من زيادة في الرسوم والضرائب، تبطيء النموِّ وتَكْميش الاقتصاد، وأن تكون خواتيم السياسات التيسيرية المدروسة تحفيز الاقتصاد، وخلق النموِّ، وتوليد الوظائف، وتخفيف مستويات الفقر

في الاقتصاد، كما في أمور الحياة كافة، فإنَّ الأعمال بخواتيمها. فكما ينتظر الصائمون في رمضان خواتم أعمالهم وعباداتهم، من صيام وقيام وتراحم، العتق من النار ودخول الجنة، ومحاكاة لذلك، فإن من الطبيعي أن نتوقع أن تكون خواتيم السياسات الانكماشية، بما فيها من زيادة في الرسوم والضرائب، تبطيء النموِّ وتَكْميش الاقتصاد، وأن تكون خواتيم السياسات التيسيرية المدروسة تحفيز الاقتصاد، وخلق النموِّ، وتوليد الوظائف، وتخفيف مستويات الفقر.

وقد ثَبُتَ ذلك مؤخراً في العديد من دول العالم والمنطقة، كما في كندا، وألمانيا، وفي مصر، ودولة الإمارات، وفي الولايات المتحدة فكانت خواتيم السياسات التيسيرية، وسياسات تحفيز الاستثمار، وتخفيف الرسوم والضرائب، ودعم القوى الشرائية الاستهلاكية، أن حققت تلك الدول معدلات نمو هي الأفضل منذ فترة، وحققت تراجعٍ ملموس في معدلات البطالة، حيث تراجعت نسبة البطالة في الولايات المتحدة مثلاً إلى 3.6%، وهي النسبة الأقل منذ العام 1969. أمّا بالنسبة لنا في الأردن، فقد أشار اللقاء الأخير بين اللجنة المالية في مجلس النواب ووزارة المالية إلى محاذير ناتجة عن تراجع الإيرادات العامة للربع الأول من العام الحالي، ما قد يؤدي إلى عجز مالي أكبر بكثير ممّا توقَّعنا، وزاد الطين بِلة ظهور أرقام البطالة للربع الأول من العام الحالي،  والتي أشارت الى ارتفاع معدل البطالة الى 19%، هذه النتائج لا يمكن تبريرها إلا بخواتيم عدم التكاملية منذ البداية بين السياسات المالية، الموجّهة لضبط العجز المالي، من جهة، والسياسات التحفيزية القائمة على تشجيع الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادي، من جهة أخرى. وزارة المالية قامت بعملها وفق المبدأ الاقتصادي السليم القائم على ضبط الإنفاق العام وترشيده، كما استخدمت أدواتها في البحث عن موارد إيرادات إضافية، من ضرائب ورسوم وما شابه. وعليه، فلن يستطيع أحدٌ أن يلوم الوزارة على ما قامت به، بل قد تُلام إن لم تقمْ بذلك.

المشكلة الحقيقية، على ما يبدو، أنَّ وزارة المالية هي الوحيدة التي قامت بما يجب أن تقوم به خلال الفترة الماضية، أمّا الجهات المعنية فعلياً بتشجيع الاستثمار، ومساعدة القطاع الخاص على حل مشكلاته في مجال كلف الصناعة، ومعيقات التصدير، وسهولة إنجاز الخدمات الحكومية، وفي مجال معيقات جذب الاستثمار الخارجي، فمن الواضح أنها لم تقم بأي جهد يُذكر، فكانت الخواتيم تراجع حجم الاستثمار الخارجي، وتباطؤ نمو الاقتصاد، وزيادة معدلات البطالة. نعم حدثت إضاءات هنا وهناك، ولكنها غير كافية وغير معنوية كما يجب.

جميع أدبيات جذب الاستثمار تقول إنَّ أثر الضرائب والرسوم يأتي في المرتبة السابعة أو الثامنة في اتخاذ القرار الاستثماري في دولة من عدمه، ما يأتي على رأس اهتمامات من يرغب في الاستثمار في أي دولة، بعد الاستقرار والأمن والأمان، قضايا تتعلَّق بسهولة بدء الأعمال، وسهولة الإجراءات العامة الحكومية المركزية واللامركزية، أي في البلديات، وتوافر المواد الخام والموارد البشرية بكلف معقولة، وتوافر الطاقة بكلفة مقبولة، وتوافر التمويل، وشفافية التقاضي، وسرعة البت في القضايا. عندما نعمل على التعامل مع هذه التحديات بجدية أكبر، يتحقق حُسنُ الخاتمة بتحسّن مستوى النمو، وتراجع معدلات البطالة والفقر، وتحسّن حصيلة الإيرادات العامة، وتراجع العجز المالي، وانخفاض حجم المديونية العامة.

[email protected]

التعليقات مغلقة.