صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الاِستِقلال وتحدّياته

الأردن اليوم بأمس الحاجة إلى تعزيز مناعته الداخليّة، وإزالة كُلّ ما يشوب العلاقة بين مواطنيه وحكوماته

في ذكرى الاِستِقلال الثالث والسبعين للمملكة يتذكّر الجميع تلك العقود التي مرّت على الأردن بحلوها ومرّها، وكيف بقي هذا البلد صامداً ويتطوّر عاماً بعد عام إلى أن وصل إلى ما عليه من تطوّر في شتى المجالات والقطاعات.

لا أحد يُنكر أن الأردن -الدولة محدودة الموارد- قد حققّ إنجازات عززت من تواجده وموقعه الإقليميّ، وبات يلعب دوراً مؤثرا في مُجريات أحداث المنطقة بأقل الموارد والإمكانات، فالعقبات تحوّلت إلى فرص جعلته يوظفها في خطط التنميّة الاقتصاديّة.

في الأردن ذلك البلد المُحاط بأوضاع إقليميّة مُعقدة جعلت من موقعه الجيوغرافيّ لاعباً رئيسيّاً في مجريات الأحداث السياسيّة، إذ لم ليكون بهذا الشكل لولا تحالفاته المتوازنة التي مكّنته من الاستمرار بالسير بحبل وثيق مع جميع الدول بلا استثناء دون قطيعة ودون أن ينخرط في صراعات الدول وعلاقاتها الصفريّة مع بعضها البعض، والفضل يعود بذلك للقيادة الهاشميّة التي جعلت من الدبلوماسيّة الاردنيّة تنتهج الاعتدال والوسطيّة في علاقتها الدوليّة، مع التوازن بالشكل المنطقيّ في شبكة علاقاته مع محيطه العربيّ وعلاقاته الخارجيّة.

بإمكانات متواضعة بات الأردن أحد ابرز مُتلقيّ المساعدات والمنح من المجتمع الدوليّ، فالمملكة هي الدولة الثالثة التي تتلقى المساعدات الأمريكيّة على سبيل المثال، واليوم لا يمكن لمجتمع المانحين أن يتخطى الدور الأردنيّ الإقليميّ الذي بات لاعباً رئيسيّاً فيه.

نعم تعزز الاستقرار والأمن في الوقت الذي تعصف بالجوار رياح الحروب والاضطرابات التي غيّرت أنظمة ودولاً، والأردن بقي صامداً يواجه كُلّ التحدّيات من سياسيّة واقتصاديّة دوليّة وإقليميّة بثبات إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه من بلد مُستقر آمن في منطقة لم تعرف الاستقرار أبداً.

اليوم، والأردن يحتفل بذكرى استقلاله الثالث والسبعين فإن الجميع يعيش حالة ترقب لتطورات الأوضاع الداخليّة والخارجيّة، ويتطلع الجميع إلى أن تجتاز المملكة هذه التحدّيات التي بات كابوسها يدور في الأفق ويحلق فوق الجميع.

داخليّاً، بات الجميع مُتأكدا من أن الأردن يدفع ثمن مواقفه السياسيّة في شبه حصار اقتصاديّ مفروض عليه عنوة، وأن الأوضاع الاقتصاديّة التي يمرّ بها الاقتصاد الوطنيّ هي في المحصلة ثمن هذه المواقف التي تعجب الكثير من دول الإقليم، لكن في الحقيقة أن جزء لا باس به من مشاكلنا الاقتصاديّة في المملكة هي نتاج لعوامل داخليّة بأيدينا نحن في الأردن، فالفساد الذي نما وسوء الإدارة المحليّة وتراجع شعور الانتماء الوظيفيّ وخدمة المواطنين، وظهور المحسوبيات وتفشي الواسطات وعدم نزاهة الإجراءات المعمول بها، كُلّها أشكال شوهت الاستقلال الوطنيّ وزعزعت استقرار البلاد، وخلقت مفاهيم سلبيّة جديدة في مجتمعنا أدت إلى فقدان الثِقة والمصداقية بين الشّارع والحكومات، وباتا الاثنين وكأنهما في صراع داخليّ بينهما.

هذه كُلّها مظاهر مُخلّة بقيم المجتمع الأردنيّ، و الاِستِقلال يعني العودة إلى روح الوطن والعودة إلى جذوره في التنشئة المبنيّة على الكرامة والعمل والإنجاز والتضحية، وهذا لا يكون باتجاه المواطن، إنّما يتطلب مشروع نهضويّ شامل يعيد للإنسان الأردنيّ حضوره في المشهد العام ومشاركة أكبر في رسم السياسات مصحوبا بحزمة مُتكاملة من إجراء محاربة الفساد وتعزيز الإصلاحات على كافة مستوياتها خاصة التعليميّة منها.

خارجيّاً، الوضع في كثير من جوانبه يفوق قدرة وإمكانات المملكة، فلا يمكن للأردن مجابهة الجميع والوقوف بوجههم خاصة في ظل المعطيات الراهنة إلا من خلال زيادة الوحدة الوطنيّة ومعالجة التشوهات التي تُقويّ موقف الأردن وتجعله صامدا كما كان دائما في وجه كُلّ التحديات.

الأردن اليوم بأمس الحاجة إلى تعزيز مناعته الداخليّة، وإزالة كُلّ ما يشوب العلاقة بين مواطنيه وحكوماته، لِبناء موقف موحد يكون قادر على استيعاب كُلّ معطيات التطورات الإقليميّة بثبات، وبشكل يُحافظ على ثوابته.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.