صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مُشكلتنا الإداريّة أكبر من الماليّة

الجوالات الميدانيّة للمسؤولين وفكرة المتسوق الخفيّ، وتعزيز المحاسبة والتقييم واعتماد معايير واضحة للإنجاز كُلّها خطوات مهمة في الارتقاء بالخدمة العامة

كثيرٌ من المشاكل التي يشهدها القطاع العام المَعني بتقديم الخدمات للمواطنين هي مَشاكل تتعلق بتراجع المستوى الإداريّ للمسؤول والموظف على حدٍ سواء.

هذا سببه الأساسيّ هو اِنتشار مظاهر المحسوبيّة والواسطة والتجاوز على القانون في التوظيف والتعيينات لدرجة أن أصحاب الكفاءات باتوا قِلّة من بين جمع كبير من العاملين الذين باتوا عامل تعطيل في الخدمة العامة على كافة المُستويات.

بقليل من الموارد الماليّة استطاعت مؤسسات أن تنجح في إعادة هيكلتها ومنظومتها الإداريّة، والدعم ليس ماديّاً حكوميّاً كما يتصور البعض، بل هو تخطيط إداريّ سليم ورشيد أدى في النهاية للوصول إلى الهدف الرئيسيّ.

قبل أيام قليلة شغّلت أمانة عمّان ١٣٥ حافلة جديدة بواسطة مُشغّل أردنيّ تُركيّ وضع خطة مُتكاملة لتشغيل الحافلات الجديدة بأسلوب عصريّ سيكون له أثر بالغ في تحسين أحد أهم وسائل النقل في عمّان وهي الحافلات.

قبلها الشركة المُتكاملة للنقل المتعدد الشريك الرئيسيّ الآن في تشغيل الحافلات التي طرحتها أمانة عمّان مؤخرا كانت قبل أشهر قليلة قد طرحت ٦٥ حافلة جديدة في عمّان للتشغيل الفوريّ، وبأقل دعم حكوميّ اِستطاعت بجهود إداريّة بحتة وتنظيم داخليّ وتخطيط رشيد أن تُخرج المُتكاملة من نفق الشركات الحكوميّة المتعثرة الواجب تصفيتها وفق القانون إلى شركة ناجحة أعادة هيكلة كافة أنشطتها الإداريّة  والماليّة بنجاح كبير، والمحصلة أصحبت الشركة القياديّة للنقل في العاصمة عمّان وبعض المحافظات الرئيسيّة، مما انعكس إيجابا على قيمتها السوقيّة وأسهمها في بورصة عمّان، وهذا كُلّه بفضل إدارة حصيفة ودعم حكوميّ نسبيّ نجحت في الوصول إلى الهدف الذي يُريده الجميع.

في المقابل تجد الحكومة صرفت الملايين على مشاريع وخطط تنمويّة مُختلفة، والعائد كان بالسالب، فاليوم يتساءل البعض عن صندوق المحافظات الذي صرف أكثر من ٦٠ مليون دينار كقروض لمشاريع في المحافظات، والسؤال أين عمليات الاسترداد لتلك الأموال التي لم تتجاوز اليوم الـ٦٠٠ الف دينار فقط.

وأين نتائج صرف مُستحقات أموال المؤسسات المعنية بمحاربة الفقر، والتي قال أحد رؤساء الوزراء السابقين أنها تجاوزت الـ٧٠٠ مليون دينار، والمحصلة هو ارتفاع عدد جيوب الفقر في المملكة من ٢٠ جيباً إلى ٣١ جيباً.

كيف والكُلّ يعلم عن خطة إعادة الهيكلة التي أقرتها أحدى الحكومات في عام ٢٠١١ بموازنة ٨٢ مليون دينار ليبلغ حجم تمويلها الحقيقيّ من الموازنة العامة ما يقترب الـ٤٨٠ مليون دينار لغاية الآن والمبلغ مرشح للزيادة بشكل كبير.

حتى العملية الاستثماريّة وتراجع تدفقاتها للمملكة، في غالبيته يعود لقضايا إداريّة تتعلق في عدة أشكال، ابرزها: عدم فهم الطاقم الإداريّ المعني بالعمليّة الاستثماريّة والصلاحيات الممنوحة له وكيفية جذب المستثمرين وتسهيل وتبسيط الإجراءات أمامهم، وكُلّ المعيقات التي نشاهدها في هذا الموضوع تتعلق حقيقة بالموظف الإداريّ وعقليته في التعاطي مع المشاريع الاستثماريّة وأهميتها للاقتصاد الوطنيّ من منظور شموليّ.

للأسف أن ما وصلنا إليه اليوم من تراجع في مستوى الخدمات المُقدمة من القطاع العام سببه الأول هو التجاوز والتطاول على القانون وعدم تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب، مما افقد الثِقة بالقطاع العام وتميزه الذي كان في السابق احد ابرز الميزات التنافسيّة للاقتصاد الأردنيّ والإدارة الكفؤة التي كان لها دور إيجابيّ في تطوير العمليّة الإداريّة في الكثير من دول الجِوار.

الأردن بأمس الحاجة اليوم إلى ثورة إداريّة بيضاء تُعيد ترميم جدار الثِقة في القطاع العام وتعزز من مكانة المتميزين العاملين وتحصّنهم من التدخلات و الواسطات والمحسوبيات التي تُدمر العمليّة الإداريّة من الداخل وتقتله سريريّاً، وهذا لا يكون إلا من خلال تحقيق العدالة في التعيينات والتنقلات وتعزيز دولة القانون ومحاربة الفساد والمحسوبيات والاعتماد على مفاهيم الشفافيّة والنزاهة قولاً وعملاً، وإعادة روح الثِقة بالخدمة العامة.

الجوالات الميدانيّة للمسؤولين وفكرة المتسوق الخفيّ، وتعزيز المحاسبة والتقييم واعتماد معايير واضحة للإنجاز كُلّها خطوات مهمة في الارتقاء بالخدمة العامة، ولكنها تبقى قاصرة اذا لم تكن هذه العمليّة ضمن استراتيجيّة وطنيّة واضحة للإدارة العامة والتخطيط.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.