صحيفة الكترونية اردنية شاملة

النهج الاقتصاديّ الحكوميّ

الحُكومات في الأردن لعبت دوراً كبيراً في الاعتماد على القطاع العام في عمليات التشغيل لآلاف الخريجين، وساهمت بشكل كبير في تموّيل بِناء المدارس والمستشفيات وغيرها من المُنشآت الرسميّة والبنيّة التحتيّة، مُستغلة عمليات الدعم الماليّ الاستثنائيّ الخارجيّ التي كانت تتلقاها في بعض الفترات

عندما تبلغ مُساهمة القطاع العام في الناتج المحليّ الإجماليّ ٥٦ بالمئة، فأن ذلك يؤكد أن الاقتصاد الوطنيّ بإداراته المُختلفة لم يتجّه أبداً إلى مفهوم الاقتصاد الحُرّ، حتى في الدول الاشتراكيّة لا تجد هذه النسبة من قبل القطاع العام في المشهد الاقتصاديّ.

الحُكومات في الأردن لعبت دوراً كبيراً في الاعتماد على القطاع العام في عمليات التشغيل لآلاف الخريجين، وساهمت بشكل كبير في تموّيل بِناء المدارس والمستشفيات وغيرها من المُنشآت الرسميّة والبنيّة التحتيّة، مُستغلة عمليات الدعم الماليّ الاستثنائيّ الخارجيّ التي كانت تتلقاها في بعض الفترات والتي أدت في مُجملها إلى زيادة الإنفاق الحكوميّ وتناميه بشكلٍ كبير، هذا في المُحاسبة إلى تعزيز نهج الاعتماد المُتزايد من قبل المواطنين على الجهاز الإداريّ العام في الدولة في تلبية احتياجاتهم الوظيفيّة والماليّة خاصة في المحافظات التي باءت جميع مُحاولات الحُكومات المُختلفة في تحفيز حركة وأنشطة القطاع الخاص باتجاهه بالفشل، الأمر الذي جعل الدولة وخزينتها المصدر الأساسيّ لتسيير اتجاهات الأمن المعيشيّ للأردنيين.

هذا الاعتماد الكبير من المواطنين على الحُكومات جَعَلَ القطاع العام في المملكة يتلقى كُلّ أشكال الدعم من الحُكومات التي وجدت في فرض الرسوم والضرائب تلبية سريعة لاحتياجاتهم التمويليّة المُتزايدة.

هذا الشكل والنهج الذي اُتبع في العقود الماضيّة كان بإمكان الدولة أن تستمر به في ظل ظروفها الداخليّة والخارجيّة والمُختلفة، لكن بعد أزمة عام ١٩٨٩ وانهيار الدينار ولجوء الأردن لِصندوق النقد الدوليّ والدخول في حزمة برامج تصحيحيّة للاقتصاد استمرت حتى عام ٢٠٠٤، لنعود إليها في عام ٢٠١٢ من جديد لغاية يومنا هذا، لم يعد بالإمكان أن تستمر الحكومات في ذات النهج الاقتصاديّ الريعيّ الذي يستنزف غالبية مواردها ودخلّها.

السبب في ذلك أن الاقتصاد في ظل برامج التصحيح بدأ التغيير يُصيب أعمدته الأساسيّة، فالدولة دخلت في عمليات التخاصيّة وبيع أصولها للقطاع الخاص الذي هو من المفترض أن يكون المُتحكم الرئيسيّ والموجّه للأنشطة الاقتصاديّة المُختلفة، وهذه العملية -أي التخاصيّة- جعلت الدولة تعتمد على الرسوم والضرائب في تمويل خزينتها من الأموال، بعد أن كانت تعتمد على الاستثمار من خلال المؤسسة الاردنيّة للاستثمار المعنية بمُلكيات الحُكومة في الشركات المُختلفة، لكن هذه المُساهمات اختفت في غالبية الشركات وبيعت تحت مظلة التخاصيّة التي أيضا تبخرت عوائدها في صفقة نادي باريس عام ٢٠٠٨ دون أن تكون هناك نتائج ملموسة في معالجات المديونيّة، فبعد هذه الصفقة بعدة اشهر، عادت المديونيّة إلى الارتفاع الجنونيّ  أضعاف ما كانت عليه، فلا استفاد الأردن من الصفقة في تخفيض الدين، ولا أبقى على عوائد التخاصيّة للأجيال القادمة كما كان مُخططا له أساساً.

في ظل هذا الوضع الاقتصاديّ بَقيت إيرادات الخزينة مَحصورة فقط بالضرائب والرسوم المُختلفة التي تفرضها الحكومات، وخطورة هذا الوضع يكون عندما يتعرض الاقتصاد إلى تباطؤ سُرعان ما ينعكس على إيرادات الحكومة من الضرائب والرسوم، مما يصعب تعويض هذا التراجع في ظل عدم وجود دخل استثماريّ حكوميّ آخر.

المُشكلة في الاقتصاد الأردنيّ فيما يتعلق بالقطاع العام انه استمر في النُمُوّ رغم أن توجّه الدولة كان الانسحاب التدريجيّ من إدارة الأنشطة الاقتصاديّة وتركها للقطاع الخاص، وبقيت الحُكومات تموّل القطاع العام واحتياجاته المتزايدة من التمويل من بندين أساسيين هما: اللجوء للمساعدات الخارجيّة أو فرض رسوم وضرائب جديدة سواء على القطاع الخاص أو المواطنين اللذين كانا يدفعان ثمن استمرار الحُكومة في التوظيف العشوائيّ وإنشاء المشاريع التي تفتقد لأدنى الدراسات الاقتصاديّة.

استمرار الدعم الحكوميّ العشوائيّ للقطاع العام ساهم جليّاً في ارتفاع عجز الموازنة، مع الغياب الواضح لخطط التنميّة الرشيدة والسليمة التي تَدرس احتياجات التنميّة في مُختلف مناطق المملكة، جعل الحكومات اليوم تُفكّر جليّاً في كيفية مواجهة هذه القُنبلة الموقوتة في القطاع العام الذي يعمل به اليوم اكثر من ٢٣٠ ألف شخص، ناهيك عن وجود اكثر من ٢٥٠ ألف مُتقاعد يتقاضون رواتبهم من الخزينة، جعل الحُكومات غير قادرة على الاستمرار في التمويل في ظل تراجع إيرادات الخزينة من الضرائب والرسوم وتباين حجم المُساعدات والمنح التي تتلقاها المملكة من عام لآخر.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.