صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش وعيد الجلوس الملكي

يحتفل الوطن في هذه الأيام بعيد جلوس جلالة الملك عبدالله الثاني على عرش المملكة الأردنية الهاشمية ويوم الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى.

ويأتي الاحتفال بهذه المناسبات الوطنية تأكيداً على تعزيز المنجزات ومواصلة بناء الدولة، حيث يستذكر الأردنيون وأحرار الأمة البطولات والتضحيات الجسام التي قدمها الجيش العربي المصطفوي، وقد قادّ الهاشميون أبناء هذه الأمة في أعظم ثورة شهدتها الأمة العربية في تاريخها الحديث، حيث كانت هذه الثورة البداية الأولى لنهضة الأمة ووحدتها والخطوة الأولى على طريق تحررها.

وحين نتحدث في مثل هذه المناسبات فإننا نتحدث عن تاريخنا القومي الحديث الذي كانت فيه الثورة العربية منطلق مسيرتنا الخيرة والمرجع الذي يجمعنا والرسالة التي نحملها، لقد كانت فكراً قومياً توحد على يد قائد هاشمي فامتد عبر السنين والأجيال يوجه مسيرة أمة ويرسم لها معالم آمالها وأحلامها وتطلعاتها.

وتمثل القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي هيبة الوطن وعنوان أمنه واستقراره، فقد حمل إرثّ رسالة الثورة العربية الكبرى، لأنه الامتداد الطبيعي لجيشها وفيلق من فيالقها ارتبط تاريخه بتاريخها ارتباطاً عضوياً، وتشكلت نواته من النخبة التي اتحدت تحت راية سمو الأمير عبدالله بن الحسين في الحادي والعشرين من تشرين الأول عام 1920 في معان، بعد أن كان لها الدور الكبير في عمليات الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من بطحاء مكة على يدِّ الشريف الهاشمي الحسين بن علي عام1916.

وشكل الجيش العربي ركناً أساسياً من أركان الدولة الأردنية، وكانت له مساهمة كبيرة في تطور الدولة وتحديثها على المستويات كافة، وكان ينمو مع نمو الدولة، ويتطور بفضل الرعاية الهاشمية المتواصلة منذ عهد الملك المؤسس عبدالله بن الحسين،الذي أراد له أن يكون جيشاً عربياً مقداماً يحمل راية الثورة العربية التي استمدت ألوانها ومعانيها وقيمها وأهدافها من رايات الأمويين والعباسيين والفاطميين، ومن ثم أكمل بنو هاشم مسيرة بناء هذا الجيش منذ عهد جلالة المغفور له بإذن الله الملك طلال بن عبدالله وجلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال وصولاً إلى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه الذي أكمل المسيرة ووصل بالأردن وجيشه المغوار إلى مراتب التميز وهو يكمل هذه الأيام مسيرة خير مباركة استمرت عشرين عاماً مكللة بالعطاء والانجاز والصبر والتحدي وكان الإنسان الأردني محورها والعمود الفقري لكيان هذا الوطن العزيز بأهله وقيادته ومؤسساته.

وبدأ تأسيس الجيش العربي في معان في الفترة الأولى من تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، وبعد تشكيل أول حكومة أردنية في إمارة شرق الأردن تم تأسيس أول قوة عسكرية بلغ قوامها 750 رجلاً من الدرك والمشاة النظامية والهجانة سميت بالقوة السيارة، وتولى قيادتها الكابتن البريطاني فريدرك بيك، وكانت أولى مهامها توطيد الأمن والاستقرار في البلاد، وتولى سمو الأمير عبدالله منصب القائد العام للجيش، وعمل عندها على تنميته وتزويده بالأسلحة وفق الإمكانيات التي كانت متاحة على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه، وتم تشكيل كتائب المشاة الأولى والثانية والثالثة، وفي عام 1943 وصل تعداد الجيش إلى حوالي 6000 رجل شاركوا في الحرب العالمية الثانية في العراق وسوريا، وأعيد تنظيم الجيش وانضوت قواته تحت ثلاثة ألوية بالإضافة إلى الكتيبة الرابعة وحاميتين، واستمر الجيش بالتطور إلى أن وصل تعداده عام 1945 نحو 8000 جندي وضابط، وكان منظماً في 16 سرية مستقلة وقوة شرطة مؤلفة من ألفي رجل.

وفي الخامس والعشرين من أيار 1946 حقق الأمير عبدالله بن الحسين طموحات الشعب الأردني باستقلال البلاد، وبويع ملكاً دستورياً عليها، وظل جلالته يواصل مساعيه في تنمية الجيش وتعزيز الروح العسكرية فيه رغم الصعوبات التي كانت تواجهه آنذاك.

وكان رجال الجيش العربي يفتخرون بالشعار الذي يزين جباههم بلونه الذهبي، ومعانيه السامية والذي منه يستمد العزم والعمل، أما الاحتراف والتميز فهما عنوانان آخران لهذا الشعار، ففيه يحتضن التاج الملكي بسيفين متقاطعين يرمزان للقوة والمنعة، كما يحتضن التاج الملكي والسيفان المتقاطعان إكليل الغار الذي يرمز إلى البطولة ويدل على الخير والسلام، ويتوسط الشعار عبارة (الجيش العربي) التي تتضمن معاني قومية ووطنية سامية، ومن يقرأ بتأن مضامين وأبعاد هذا الشعار فإنه سيصل في النهاية إلى حقيقة راسخة مضمونها أن هذا الجيش ورجاله نذروا انفسهم منذ تأسيسه للدفاع عن قضايا الوطن والأمة العربية الكبيرة وهذه هي رسالة الهاشميين وأهداف ثورة أحرار العرب وهي الرسالة التي حملها هذا الجيش وأصبحت إرثاً تاريخياً يعتز به وينافح عنه بالمهج والأرواح.

وفي مرحلة ما بعد الاستقلال ظل الملك المؤسس يرعى الجيش العربي، ويعمل على تنميته وتطويره حتى أصبحت قوة الجيش العربي في أيار عام 1948 تتألف من أربعِ كتائبٍ آلية وبطاريتي مدفعية وسبع سرايا مشاة، وكان للجيش العربي مشاركته المشرفة في حرب فلسطين عام 1948 ، والتي سطر فيها صفحات البطولة، وقدم قوافل الشهداء التي لا زالت أرض فلسطين تنعم بنجيعها على بوابات القدس واللطرون وباب الواد وجنين وغيرها، وعندما وجدّ الملك عبد الله بن الحسين أن جبهة المواجهة مع إسرائيل أخذت تزداد، وأصبحت أكثر اتساعاً دفعه ذلك إلى إعادة تنظيم سرايا المشاة، وتشكلت الكتيبتان الخامسة والسادسة، وتواصلت عملية النمو والتوسع في الجيش العربي، ففي عام 1951 ضمَّ فرقة تتألف من ثلاثة ألوية، وأنشئت قبل ذلك بعام مدرسة للمرشحين لتخريج الضباط بما يتلاءم وحاجة الجيش المتزايدة، إضافة إلى عدد من المدارس الفنية ومدارس الأسلحة لتدريب الضباط، كما بدأت في تلك الفترة نواة سلاح الدروع والمدفعية والهندسة وبلغ تعداد الجيش عام 1951 ما يقارب 12 ألف رجل.

وعلى بوابة الأقصى عام 1951 استشهد جلالة الملك المؤسس، ليكتب عند الله شهيداً بإذن الله، ضارباً المثلّ الأعلى في التفاني والتضحية من أجل الوطن والأمة، ومن ثم انتقلت الراية في أيلول عام 1951 إلى الملك طلال بن عبدالله، حيث كان الأردن يقف بصلابة وقوة تحت ضغوط الاعتداءات الإسرائيلية، فشُكل الحرس الوطني، وكان قوة احتياطية مهمة تقوم بمساعدة الجيش العربي في الدفاع عن ثرى فلسطين، إلا أن الأقدار كانت محتمة حيث ساءت صحة جلالته ونودي بجلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله ملكاً على البلاد في الحادي عشر من آب عام 1952 لمتابعة المسيرة الخيرة.

ورغم الفترة العصيبة من حياة الأردن السياسية، واستمرار حوادث خرق الهدنة وتبادل إطلاق النار مع العدو الصهيوني عبر الحدود الأردنية، جاء الأول من آذار عام 1956 ليكون يوماً مميزاً في تاريخ الأردن المعاصر، ويوماً يسجل بأحرف من نور في ذاكرة الوطن الخالد، حيث اتخذ جلالته قراره القومي والتاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي لتكون القيادة عربية أردنية، والاستغناء عن خدمات كلوب باشا والضباط الإنجليز.

ويستمر التطور على مستوى القوات المسلحة لنحط عند محطة مهمة، وهي إلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1957 للتخلص من بقايا النفوذ والسيطرة الاستعمارية والتدخل في الشؤون الداخلية للأردن.

واستمر الاهتمام بالجيش درع الوطن وحصنه المنيع، وانطلقت يدّ الحسين بإعادة بناء الجيش، حيث أصدر جلالته عام 1956 أوامره بفصل الدرك عن الجيش وإلحاقه بوزارة الداخلية، وعمل على الارتقاء بالجيش وقيادته تسليحاً وتنظيما، وتابع الحسين رحمه الله عملية بناء الجيش بدءاً بالتأهيل والتدريب واكتمالاً بالتسليح والتجهيز إلى أن وصل الجيش مصاف الجيوش الكبرى.

فها هي أيام البطولة والفداء للجيش العربي الأردني لا تنسى على مرّ العصور، حيث خاضّ فيها معارك الشرف والبطولة في العديد من الأقطار العربية خاصة على ثرى فلسطين الطهور، فقدم الأردن في سبيل ذلك الكثير من الشهداء الذين لا زالت الأرض العربية تنبض بدمائهم الزكية، فقدموا في سبيل القضية الغالي والنفيس فكان نضال الهاشميين والجيش العربي في سبيل الله أولاً ثم في سبيل رفعة الأمة وكرامتها.

وهذا ليس بمستغرب على هذا الجيش الذي أريد له منذ البداية أن يكون جيشاً لكل العرب يحمل منتسبوه شعار الكرامة والعز والفداء، وجاءت تسميته بهذا الاسم نتيجة للدور الكبير الملقى على عاتقه، ولقد جاء على لسان جلالة الملك عبدالله الأول في التاسع والعشرين من أيار لعام 1944 ما يلي ” بمناسبة استخدام الجيش العربي هذه الآونة في الأقطار العربية المجاورة وذيوع سمعته وأعماله الطيبة لدى الأمم المتحدة والحليفة وغيرها، وتميزاً له عن جيوش الأقطار العربية الأخرى، قرر مجلس الوزراء الموافقة على أن يطلق عليه اسم “الجيش العربي الأردني”.

وفي عهد جلالة قائدنا الأعلى الملك عبدالله الثاني بن الحسين، ومنذ اللحظة الأولى لتسلم جلالته سلطاته الدستورية أولى القوات المسلحة جلّ اهتمامه ورعايته لتواكب العصر تسليحاً وتأهيلاً، فسعى جلالته لتطويرها وتحديثها لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته، والقيام بمهامها على أكمل وجه، مثلما سعى إلى تحسين أوضاع منتسبيها العاملين والمتقاعدين، حيث أصبحت مثالاً وأنموذجاً في الأداء والتدريب والتسليح، تتميز بقدرتها وكفاءتها القتالية العالية بفضل ما أولاها جلالة القائد الأعلى من اهتمام كبير، حيث هيأ لها كل المتطلبات التي تمكنها من تنفيذ مهامها وواجباتها داخل الوطن وخارجه وذلك بما يتوافق مع تعدد أدوارها ومهامها وبما ينسجم مع التهديدات والتحديات الجديدة في العالم والإقليم على حد سواء وقد أدرك جلالته وهو الذي خبر ميادين هذا الجيش قيمة وبعد الروح المعنوية لدى الجنود حيث سلّم جلالة الملك عبدالله الثاني علم جلالة القائد الأعلى كأعلى درجة تكريم عسكري في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي لعدد من تشكيلات ووحدات ومديريات الجيش العربي تكريماً لما يبديه منتسبو هذه الوحدات من شجاعة وما يبذلونه من تضحيات وخدمات للوطن والمواطن بالإضافة إلى تسليم وتداول راية الثورة العربية الكبرى برمزيتها بين وحدات الجيش العربي.

وضمن التوجيهات الملكية السامية في إطار رعاية جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة لأسرِّ شهداء الوطن من منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وجه جلالة القائد الأعلى، رئيس هيئة الأركان المشتركة لإنشاء صندوق لدعم أسرّ شهداء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، إضافة إلى الدعم الذي يقدم حاليا لهذه الأسرّ، حيث أمرّ جلالته بتخصيص 5 ملايين دينار من موازنة الديوان الملكي الهاشمي للصندوق، مؤكداً احترام الشهداء وذويهم وما قدموا من تضحيات على ترابه الطهور.

كما شهد جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة مراسم عسكرية مهيبة جرت في صرح الشهيد، لدفن رفات أحد شهداء الجيش العربي، حيث جرت مراسم نقل الرفات من مقبرة لشهداء الجيش العربي في موقع النبي صموئيل في مدينة القدس، وأعيد افتتاح الصرح ضمن احتفالات المملكة بمئوية الثورة العربية الكبرى تكريماً لمسيرة الخير والعطاء والبذل والتضحية لأبناء هذا الوطن هذه المسيرة التي تتزين بدماء وبطولات وتضحيات الجيش العربي.

واستذكر الأردنيون بهذه المناسبة شهداء القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي والأجهزة الأمنية، الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن وطنهم وأمتهم ومبادئ الأردن السامية والنهضة العربية، الذين سطروا أسماءهم في سجل الشرف والبطولة.

وضمن الرعاية الملكية السامية للمتقاعدين العسكريين الذين قدموا وما زالوا يقدمون، وجه جلالته بتعزيز دور المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، وإعادة النظر بقانونها وهيكلتها والعمل على بناء المحافظ الإقراضية الخاصة بالمؤسسة ودعم المشاريع الإنتاجية للمتقاعدين، بالإضافة إلى وضع برامج تدريب متخصصة للمتقاعدين ومساعدتهم في إيجاد فرص العمل المناسبة لهم.

ورعى الاحتفال بيوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى الذي أقيم تكريماً واعتزازاً بما بذلوه من بطولات وتضحيات وعطاء في خدمة الوطن، وذلك ضمن احتفالات المملكة بذكرى مئوية الثورة العربية الكبرى.

وكانت التمارين المشتركة مع عدد كبير من جيوش العالم والإقليم ومن أبرزها تمرين الأسد المتأهب الذي نفذته القيادة العامة تعزيزاً لدور الجيش العربي وسمعته العالمية بمشاركة العديد من القوات البرية والبحرية والجوية في دول العالم بالاضافة إلى مسابقة المحارب السنوية حيث تسهم هذه الفعاليات والنشاطات في تعزيز قدرات الجيش العربي وتتيح له الفرصه للاحتكاك والتفاعل والتعامل والتعاون واكتساب الخبرات من مختلف جيوش العالم مثلما ينقل خبرته إلى هذه الجيوش.

وبتوجيهات جلالة القائد الأعلى جرى العمل على إعادة هيكلة القوات المسلحة الأردنية للتركيز على النوع، ورفع مستوى التدريب، وإعادة النظر بالمهام والواجبات والأدوار المناطة بالوحدات والتشكيلات والقيادات، وبما يرتقي بأدائها ويلائم متطلبات المرحلة وتحدياتها وإفرازاتها؛ ليتيح المجال لجميع الوحدات والتشكيلات والقيادات أن تركز على واجباتها وأدوارها بغطاء كافٍ من القوى البشرية، وأن تنفذ التدريب النوعي الذي يرتقي بمستوى أداء الأفراد والجماعات، وتوفير أفضل أنواع المعدات والمهمات التي تتطلبها التهديدات المحتملة.

يشار إلى أن إعادة الهيكلة شملت مختلف صنوف القوات المسلحة وبشكل تدريجي وحسب الأولويات التي وضعتها اللجان والأدوار المنوطة بالقوات المسلحة – الجيش العربي، وبما لا يمسّ بأي شكل من الأشكال قدراتها القتالية وواجباتها على الأرض.

من جانب آخر، ومن خلال مشاركة القوات المسلحة الأردنية في عمليات حفظ السلام العالمي كقوة فاعلة، استطاعت هذه القوات أن تنقل للعالم صورة الجندي الأردني وقدرته على التعامل بشكل حضاري مع ثقافات وشعوب العالم المختلفة، وأصبح الجيش العربي الأردني يرفد الدول الصديقة والشقيقة بالمدربين والمختصين المحترفين في مجال عمليات حفظ السلم والأمن الدوليين وتم إنشاء معهد تدريب عمليات السلام كمركز إقليمي وعالمي للتدريب.

وعلى الصعيد الإنساني قدم الجيش العربي الأردني يدّ المساعدة والعون للدول المجاورة من خلال استقبال اللاجئين من الأطفال والشيوخ والنساء والشباب، عبر حدوده الشرقية والشمالية، فكان منهم المرضى والجرحى الذين جاءوا بحثاً عن الملاذ الآمن، ولم يتوان الجندي الأردني بأخلاقه النبيلة وصفاته الجليلة أن يمسح بيديه دموع طفل، وإنقاذ عاجز، ومساعدة شيخ طاعن في السن، ونساء أعياهن المسير والتعب والمرض والجراح. فكانت مرتبات قوات حرس الحدود في الحرِّ والبرد ِّوفي شهر رمضان المبارك ساهرةً على أمن الحدود وواجبهم المقدس.

وهنا سجل التاريخ لنشامى الجيش العربي موقفاً إنسانياً يضاف إلى رصيد سمعتهم وطيب منبتهم ورجولتهم، وولائهم لقيادتهم الهاشمية، ولن ينسى العالم تلك الصور التي التقطتها عدسات كاميرات وسائل الإعلام والجندي الأردني يدفع بنفسه ودمه لينقذ طفلاً أو رجلاً أو إمرأة.

أما الدور التنموي للقوات المسلحة الأردنية ـــ الجيش العربي التي تعتبر من أكبر وأقدم المؤسسات الوطنية في الأردن، فبالإضافة لقيامها بدورها الرئيس في الحفاظ على سلامة واستقرار الأردن وأمنه الوطني، فقد حققت نجاحاً في الإسهام بدور بارز وفاعل في ميادين التنمية من خلال المشاركة بشكل جادّ في تخطيط وتنفيذ العديد من المشاريع من أجلّ تحقيق حياة أفضل للشعب الأردني، فالواجب الرئيس للقوات المسلحة بموجب الدستور هو الحفاظ على أمن واستقرار الوطن من أي تهديد خارجي أو داخلي، ولكن للأمن مفهوماً واسعاً إذ أنه لا يعني فقط التهديد المباشر للحياة بل إن مفهومه يتعدى ذلك ليشمل الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي والأمن البيئي، والمساهمة الفاعلة في مختلف الأزمات التي قد تواجه البلاد.

ويمكن إجمال مشاركتها في المجال التنموي بما يلي: المساهمة في تهيئة القوى البشرية إذ تستوعب القوات المسلحة الأردنية في مختلف أسلحتها وصنوفها وبشكل مستمر مئات الآلاف من أبناء الوطن للقيام بتنفيذ مهامها سلماً وحربا، وذلك بحكم المسؤوليات الهائلة الملقاة على عاتقها، حيث تتولى تعليم وتدريب وتربية من ينخرط في صفوفها ضباطاً وأفراداً بخطط وبرامج تأسيسية ومتوسطة ومتقدمة، ويكاد يكون هذا التدريب مستمراً طيلة الخدمة العسكرية، إضافة إلى ممارسة نظريات ذلك التعليم والتدريب عملياً خلال الخدمة في وحدات القتال أو الإسناد في الميدان أو القاعدة أو من خلال العمل في معاهد التدريب وهيئات القيادات والأركان على مختلف المستويات.

وتحوي القوات المسلحة في صنوفها المختلفة جميع معارف ومهارات القوى البشرية المعروفة تقريباً، ويصل عدد اختصاصات المهن فيها ما يقارب ثلاثمائة اختصاص تشمل المهن الإدارية والهندسية على اختلافها من إنشائية وميكانيكية وكهربائية وإلكترونية والمهن الطبية وغيرها.

أما جانب الرعاية الطبية والصحية، تساهم الخدمات الطبية الملكية في تقديم الرعاية والعناية الطبية من خلال تقديم الرعاية الطبية الوقائية والعلاجية لمنتسبي القوات المسلحة الأردنية وبقية الأجهزة الأمنية وتوفير التأمين الصحي لجميع المنتفعين من ذويهم (أي ما يعادل ثلث سكان المملكة) وذلك من خلال مستشفياتها المنتشرة في أنحاء الوطن، حيث تم افتتاح مستشفى الملك طلال العسكري في محافظة المفرق وافتتاح مستشفى الأميرة هيا العسكري – جرش وعجلون لتضاف إلى المستشفيات القائمة في مختلف محافظات المملكة وفي مقدمتها مدينة الحسين الطبية بمختلف مراكزها وأقسامها.

كما تعمل على معالجة المحولين من المستشفيات الحكومية والخاصة الأخرى، وكذلك فإن المستشفيات الطبية العسكرية الميدانية تمتد لتشمل الكثير من المناطق النائية، وتقوم بمعالجة كل أبناء الأردن الموجودين في تلك المناطق دون استثناء، وتساهم الخدمات الطبية في تفعيل دور الأردن إقليمياً ودولياً عن طريق إرسال الفرق الطبية ومستشفيات الميدان لمناطق الكوارث والصراع في العالم، يضاف إلى ذلك عملية الربط الإلكتروني بين الخدمات الطبية والمستشفيات العالمية والإنجازات الطبية الرائدة لعدد كبير من أطبائها وعلى مستوى العالم.

وفي مجال التعليم والثقافة، تساهم مديرية التربية والتعليم والثقافة العسكرية ومعهد اللغات ومعهد الحاسوب وغيرها من معاهد القوات المسلحة في تقديم خدمات تعليمية واجتماعية مميزة لشرائح واسعة من المجتمع الأردني من أبناء العسكريين وأبناء البادية ويمكن إجمال أدوارها بما يلي: أ. توفير التعليم المجاني لأكثر من 15 ألف طالب موزعين على مدارس منتشرة في مناطق المملكة كافة، وتوفير السكن الداخلي ووجبات الطعام المجانية في جميع المدارس المقامة في المناطق النائية ومناطق البادية.

ب. تقديم خدمات تعليمية لأبناء المجتمع الأردني في مجال محو الأمية ودورات الحاسوب واللغة الإنجليزية.

جـ. توفير التعليم الجامعي لأبناء العاملين في القوات المسلحة، الأمن العام، المخابرات العامة والدفاع المدني وأبناء المتقاعدين العسكريين وأبناء الشهداء، من خلال تطبيق نظام المكرمة الملكية السامية الذي نص على تخصيص 20 بالمئة من المقاعد في الجامعات والمعاهد الحكومية، كما تقوم المديرية بالإشراف على تنفيذ المكرمة الملكية لأبناء العشائر والمدارس الأقل حظاً.

د. الإشراف على تدريس مادة العلوم العسكرية في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة من خلال دائرة التعليم الجامعي التابعة لمديرية التربية التعليم والثقافة العسكرية وتدعم القوات المسلحة الجامعات والمعاهد والمؤسسات الحكومية والأهلية، بالعديد من القاعات الهاشمية وإقامة المعارض العسكرية في الاحتفالات الوطنية للمملكة، وتوفير الخرائط السياحية من خلال المركز الجغرافي الملكي.

وفي مجال العلوم والتكنولوجيا وبتوجيه من جلالة القائد الأعلى كان للقوات المسلحة الأردنية دور بارز من خلال إنشاء مركز الملك عبدالله للتصميم والتطوير(KADDB) عام 1999 كمؤسسة مستقلة ضمن القوات المسلحة لتعمل كنواة لصناعة المهمات والمعدات العسكرية والمدنية لتغطية حاجة الأردن والأسواق المجاورة، وقد حقق المركز نجاحات باهرة في مجال الدراسات والتصميم والإنتاج الفعلي لعدد من الآليات التي أدخل قسم منها إلى الخدمة في القوات المسلحة والدفاع المدني والأمن العام وقوات الدرك، إضافة إلى عرض هذه المنتجات في المعارض العسكرية العالمية مثل معرض الدفاع الدولي (إيدكس) في الإمارات العربية المتحدة، ومعرض (يوروساتوري) في فرنسا، ومعرض أنظمة ومعدات الدفاع العالمي في المملكة المتحدة (DSEI)، ومعرض مؤتمر العمليات الخاصة سوفكس، وكذلك فإن مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير يساهم بتدريب مهندسين وفنيين من خلال مشروعات المركز ورفد الأسواق المحلية بهذه الخبرات كما تقوم بعقد دورات تدريبية للمهندسين والفنيين بالمركز.

وفي مجال التدريب الفني والمهني، تساهم القوات المسلحة الأردنية في التدريب الفني والمهني لقطاعات واسعة من المجتمع الأردني بفضل توفر المعاهد والكليات والمدارس الفنية في القوات المسلحة وفي مختلف التخصصات (طيران، اتصالات، ميكانيك، إنشاءات، هندسة مدنية ومعمارية، هندسة إلكترونية….الخ )، وكذلك تنفيذ مشروع التدريب الوطني بالتعاون مع وزارة العمل وبمشاركة القطاعين العام والخاص بواسطة الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب، حيث تم تدريب عشرات الآلاف من الأفراد تدريباً تأسيسياً ومهنياً على المهن المختلفة.

وفي مجال الإسكان والإنشاءات، ساهمت القوات المسلحة منذ نشأتها في مشروعات تطويرية عديدة كفتح الطرق والجسور والمطارات والسدود ومشروعات المياه والكهرباء ومشاريع الطاقة، وتعمل القوات المسلحة من خلال مديرية مؤسسة الإسكان والأشغال العسكرية في تخطيط وتنفيذ العديد من المشروعات السكنية والإنشائية العسكرية والحكومية، ويظهر ذلك من خلال تخصيص أراضٍ من أراضي القوات المسلحة لأغراض الحدائق العامة والأندية الشبابية والمشروعات الاستثمارية الضخمة (مشروع معسكرات الزرقاء والمشروعات الإسكانية لمنسوبي القوات المسلحة في مختلف مناطق المملكة)، وتم تأسيس الشركة العربية الدولية للمقاولات وشركة القمة التابعتين للقوات المسلحة الأردنية، حيث نفذتا مشاريع كبرى في أنحاء المملكة كافة وقد تعزز هذا الدور والحضور في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني وبما يخدم مصلحة منتسبي القوات المسلحة ويوفر لوحداتها مزيداً من الرعاية التي يحتاجونها للقيام بدورهم الرئيس في حماية الوطن وتحقيق أمنة واستقراره.

أما مجال الزراعة والري، تقوم القوات المسلحة وبالتعاون مع كل من وزارة الزراعة ووزارة المياه والري- سلطة وادي الأردن في تنفيذ العديد من المشاريع الزراعية الوطنية، والتي تساهم في رفد هذا القطاع المهم والذي ينعكس ايجاباً في رفع الدخل القومي وتقوم كذلك بإنشاء السدود الركامية وصيانتها.

وفي مجال القطاع الصناعي، تقوم القوات المسلحة بدعم القطاع الصناعي في المملكة من خلال تقديم خدمات فنية مثل تصليح وصيانة وتحديث وتجديد قطع الغيار لمعدات المصانع من خلال المشاغل الفنية لمديرية سلاح الصيانة الملكي، وبكلفة مالية قليلة، وتقديم خدمات المعايرة الفنية لأجهزة المصانع من خلال مختبرات سلاح الجو الملكي، وتأهيل المختبر الصناعي الأردني كمختبر معتمد لاختبار جودة المنتجات، (مختبر النسيج، مختبر الأغذية، المنظفات، الأحياء المجهرية)، كما تقوم القوات المسلحة ومن خلال قيادة سلاح الصيانة الملكي، ومن خلال مشاغله المختلفة، بتقديم الخدمات الاستشارية الفنية إلى قطاع الصناعة الوطنية في معالجة فضلات الطعام ومعالجة المياه وتصليح وإعادة بناء الآليات والمعدات الخفيفة والثقيلة المستخدمة في قطاع الصناعة الوطنية.

أما قطاع الإعلام المرئي والمسموع، تساهم مديرية التوجيه المعنوي مساهمة فعالة في التنمية من خلال القيام بواجباتها الإعلامية والمعلوماتية والنفسية التي يتم إنجازها عن طريق تنفيذ النشاطات والجهود المختلفة في مجال القطاع المدني، وعلى الصعيدين الرسمي والخاص، لتحقيق مهمة نشر التوعية الوطنية وترسيخ مبدأ الولاء والانتماء وإدامة الروح المعنوية وتنمية الإرادة ومواجهة الأفكار المغرضة والإشاعات بلغة العقل والحوار العلمي الهادف والتركيز على ثوابت الرسالة التاريخية وإيجاد جيل واعٍ قادرٍ على حمل الرسالة ومواصلة المسيرة، حيث نقلت للعالم أجمع صورة الجيش العربي في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية كافة وعبر موقعها الإلكتروني وصفحات التواصل الاجتماعي ووضحت الصورة المشرقة لنشامى القوات المسلحة أينما حلوا أو ارتحلوا.

وتعزيزاً للبعد المعنوي والنفسي لدى منتسبي القوات المسلحة وربطأ للماضي بالحاضر فقد تم في السنوات الأخيرة صدور الإرادة الملكية بتسليم الراية الهاشمية لعدد من الوحدات العسكرية، إذ تعتبر الراية الهاشمية برمزيتها الهاشمية ودلالتها الدينية والتاريخية والعسكرية الامتداد الطبيعي لراية الثورة العربية الكبرى، التي احتضنت ألوان رايات الحضارة الإسلامية والعلم الأردني وأعلام ورايات الجيش العربي، الحافلة بتاريخ عريق يربط الحاضر بالماضي، وتتوارثه الأجيال رمزاً للحياة والسيادة والاستقلال، وتجسيداً للحرية والشجاعة والفروسية.

ويعكس الشعار (لا إله إلا الله – محمد رسول الله)، الذي يتوسط الراية الهاشمية، وعبارتي البسملة اللتين تسبقان الشعار، والحمد التي تتبعه، معاني ودلالات تؤكد التزام القوات المسلحة الأردنية ومنذ تأسيسها بالدفاع عن العروبة والإسلام ومبادئ الإنسانية.

ويأتي لون الراية، وهو اللون الأحمر الداكن، من لون راية الشريف الحسين بن علي وقبله الشريف أبي نُمي، رحمهما الله، وقافلة من الأشراف الهاشميين الأحرار، وهو ما يؤكد تاريخيتها وتوافقها مع مبادىء الثورة العربية الكبرى، إلى جانب ما شكله هذا اللون في تاريخ الشعب الأردني وثقافته وهويته.

وتحمل الراية الهاشمية النجمة السباعية التي تشير إلى السبع المثاني: آيات سورة الفاتحة في القرآن الكريم، ومن ناحية أخرى فهي رمز السموات السبع، ورمز الملكية الهاشمية، وتم اختيار خط الثلث، وهو من أجمل الخطوط العربية الإسلامية، لتخُط به مضامين الراية.

وفي مجال الأمن الغذائي، تقدم المؤسسة الاستهلاكية العسكرية خدماتها على امتداد ساحات الوطن بأسواقها البالغ عددها 110، والمنتشرة في مناطق المملكة كافة، إضافة إلى سوقين متحركين بالمناطق النائية بأقل الأسعار وأجود الأصناف، كما تساهم في الحد من البطالة من خلال تشغيل الأيدي العاملة في مختلف أسواق المؤسسة، وبمساعدة الجمعيات الأردنية في تسويق منتجاتها عبر أسواق المؤسسة التي ترفع من واردات الجمعيات لدعم العائلات المحتاجة، وهي تمتلك مخزوناً استراتيجياً من المواد التموينية والأساسية تتراوح مدته ما بين ثلاثة أشهر إلى سنة حسب طبيعة المواد المخزنة؛ للمساهمة في المحافظة على الأمن الغذائي سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية بتوفير كميات كافية من المواد الأساسية وغير الأساسية في مستودعات وأسواق المؤسسة.

وستكون هذه الراية عنوان مجدّ وكبرياء، يحملها أبناء الجيش العربي المصطفوي في ساحات الوغى، مثلما حملوا المبادئ السامية لرسالة الإسلام والثورة العربية الكبرى جيلاً بعد جيل، خدمة للوطن والتزاماً بالتاريخ وحفاظاً على الشرعية والإنجاز، تحت ظل قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني المفدى.

وهذه المناسبات العزيزة هي محطة للاعتزاز بالمنجزات، والتطلع لغدٍ حافل، وهي محطة للاستذكار، واليوم ونحن نحتفل بيوم الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى والذكرى العشرون لتولي جلالة القائد الأعلى سلطاته الدستورية، تلك الثورة التي أوجدت لنا وطناً أضحى بحجم الدنيا كلها، وهو الشاهد الحي على قيادتنا الهاشمية التي سمت بالأردن وأهله، وظلت وفيّة لمبادئ الثورة العربية الكبرى، تستهدي بنورها، وتستظل بطهر مبادئها وغاياتها.

لقد وقف الهاشميون على مدى التاريخ في وجه كل الأخطار والمحن التي توالت على الأمة, وفاءً لواجباتهم ومسؤولياتهم التاريخية, وقادوا أبناء العروبة في أعظم ثورة شهدتها الأمة العربية في تاريخها الحديث.

وفي هذه المناسبات الخيرة على وطننا نجدد عهد الوفاء والولاء لقيادتنا الهاشمية ليبقى الأردن عزيزاً قوياً فوق كل المصالح والاعتبارات وسيبقى حماته، وحراس مجده البواسل من نشامى القوات المسلحة هم هيبة الوطن وعنوان أمنه واستقراره.

وندعو الله العزيز القدير أن يحفظ الوطن وقائده وشعبه، وأن يديم نعمة الأمن والأمان، وأن يبقى الأردن الأغلى والأجمل، وسنبقى نحن في القوات المسلحة الأردنية الأوفياء لله والوطن والقائد ما حيينا، نحمل البندقية بيد ونبني ونُعلٍّم بيد، وبعيوننا نخدم أبناءنا وشيوخنا وأمهاتنا الأردنيات, وشبابنا، لنبقى صخرة تتحطم عليها آمال المخربين والمندسين من أعدائنا.

حفظ الله جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ذخراً وسنداً للأسرة الأردنية وللأمتين العربية والإسلامية، وهنيئاً للوطن وقيادته وجيشه بذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش وعيد الجلوس الملكي.

التعليقات مغلقة.