صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التَهريب.. الدُّخَان مثالاً

الحكومة ادركت أن التهريب اليوم خاصة تَهريب الدُّخَان سَيلحق أذى كبير في إيراداتها وبالتالي قد يتسبب في ازدياد عجز الموازنة وبالتي قد يُشكّل ضربة موجعة للجهود الإصلاحيّة التي تبنتها

هُناك خمسة مصانع محليّة للدُّخَان هامة في المملكة، حجم استثمارها الإجماليّ يُقارب الـ٤٠٠ مليون دولار، يَعمَلُ بها أكثر من ألفي عامل، الأهم من ذلك أنها تَدفع سنويّاً ما يزيد على ١.٤ مليار دولار للخزينة كضريبة ورسوم، تُشكّل لوحدها ما يُقارب ١٨ بالمئة من إجماليّ الإيرادات المحليّة التي تحصّلها الدولة، وهي بذلك تكون شركات الدُّخَان الخمسة أكبر مورّد للضريبة من القطاع الخاص العامل في المملكة.

الحُكومة تُدرك تماماً أن شركات الدُّخَان الخمس هي الدجاجة التي تبيض ذهباً للخزينة، وبالتالي واضح أن عقل الدولة الماليّ يَصُب في مواصلة الاستفادة من هذه العائدات التي لا تتحصل من أي قطاع آخر بهذا الحجم.

واضح من أن قضية دخان عوني مطيع التي أثارت الرأي العام واعتبرت احد أكبر قضايا التهريب التي مرّت بتاريخ المملكة لم تُخفف من القضاء على هذه الظاهرة التي كانت وما زالت تشغل بال المسؤولين والمواطنين على حدٍ سواء، فالاعتقاد الأولي السائد عند كشف قضية دخان مطيع أن تهريب الدُّخَان الذي كانت نسبته ٧ بالمئة سوف تتراجع هذه النسبة، وبالتالي سيكون بإمكان الخزينة أن تزيد تحصيلاتها من عائدات الدُّخَان بمبالغ قدّرها بعض المسؤولين ما بين ٢٥٠-٤٠٠ مليون دولار، نتيجة تغطية شركات الدُّخَان المسجلة لاحتياجات السوق من الدخان المُهرّب الذي كانت بعض التقديرات تشير إلى أن حصته من السوق تبلغ ما بين ٢٥-٣٥ بالمئة من إجماليّ سوق الدُّخَان.

المُفاجأة التي كانت على غير ما توقعه المسؤولين هو تراجع إيرادات الخزينة بما يقارب الـ١٠٠ مليون دولار في الأشهر الأولى من هذا العام وتحديداً في الثلث الأول، فالتراجع في إيرادات الدُّخَان تراجعت عن ما هو مُقدّر بقيمة ١٠٠ مليون دولار نتيجة تنامي عمليات تَهريب الدُّخَان التي تضاعفت بشكل كبير عما كانت عليه قبل كشف قضية عوني مطيع، وتُشير آخر الإحصاءات غير الرسميّة التي كشفتها بعض المصادر المطلعة أن تهريب الدخان ارتفع من ٧ بالمئة إلى ٣٢ بالمئة على أقل تقدير، وهذا يُفسر الانخفاض الكبير في إيرادات الحُكومة من الدُّخَان عما هو مُقدّر في موازنة ٢٠١٩.

الحكومة ادركت أن التهريب اليوم خاصة تَهريب الدُّخَان سَيلحق أذى كبير في إيراداتها وبالتالي قد يتسبب في ازدياد عجز الموازنة وبالتي قد يُشكّل ضربة موجعة للجهود الإصلاحيّة التي تبنتها الحُكومة بالتعاون مع صندوق النقد الدوليّ، لذلك لجأت إلي مُحاربة التهريب الأساسيّ الصادر من المنطقة الحرّة في الزرقاء والذي كان واضحاً انه عملية مُبرمجة تتم من خلال بيع الدُّخَان إلى سوريّا ومن ثم تهريبه للأردن بأسعار مُنخفضة جداً جعل من الدُّخَان المُهرّب يستحوذ على أكثر من ثُلثي السوق المحليّ، وهو سبب رئيسيّ في تراجع إيرادات الخزينة من عائدات الدُّخَان.

رغم الجهود الحكوميّة المبذولة في مكافحة التهريب من المنطقة الحرة وضبطه من قبل المعنيين لأحد أكبر المصانع المشتبه بها ووضع إشارة الحجز التحفظيّ ومنع السفر لمالكه الرئيسيّ وتقدير كُلّف الضَريبة عليه مع الغرامات بحوالي ٢٨٠ مليون دولار، لكن في الحقيقة أن هذه المعالجة ستبقى قاصرة في الحدّ من عمليات تهريب الدُّخَان التي بات اليوم معبر جابر الحدوديّ مع سوريّا هو المنفذ الرئيسيّ للتهريب بوسائل مُتعددة منها ما هو معروف مثل ما يتناقله البحارة يوميا بمرأى ومسمع من المعنيين أو بوسائل غير معروفة ومرئية، وهو الأمر الذي يرتب على الجهات المسؤولة في الدولة إعادة النظر في كافة ما يتعلق منظومة آليات مُكافحة التهريب خاصة لمادة الدُّخَان، حتى لا تخسر الحُكومة عائداتها الكبيرة من هذا القطاع المورّد الرئيسيّ للعائدات الضريبيّة للخزينة، وهذا يتطلب من الحُكومة مُعالجة الأمر من جهتين رئيسيتين هُما:

أولا: إعادة النظر في عمليات وإجراءات مُكافحة التهريب في معبر جابر الحدوديّ الذي يعتبر اليوم احد أبرز منافذ التهريب إضافة إلى منطقة العقبة، فالبحارة اليوم مازالوا يمارسون عمليات تهريب الدخان وغيره من المواد بشكل أضر بالخزينة وبالمساعدات الوطنيّة والحق أذى اقتصاديّ بالجميع، الأمر الذي يتطلب مُعالجات فورية لهذه الظاهرة من خلال إجراءات رادعة لمن يمارسها.

ثانيا: بما أن عائدات الدُّخَان هي الحصة الأكبر من بين عائدات الحكومة الضريبيّة فالحكومة مُطالبة اليوم بإنزال العقوبات الرادعة لِكُلّ من يتاجر بالدُّخَان المُهرّب وأن يتم إلحاق الغرامات والسجن وإغلاق المحلات التي تُمارس هذه الأعمال، وعدم الاكتفاء بالغرامات.

ثالثا: الحُكومة مُطالبة اليوم بمراجعة سياستها الضريبيّة تجاه المُنتجات المساعدة على الإقلاع عن التدخين بشكل التقليديّ من خلال الوسائل الجديدة التي تعتمد على تسخين التَّبغ وغيره من الوسائل الجديدة والتي ستكون في يوم من الأيام محل الدُّخَان التقليديّ، فالحكومة مُطالبة بإعادة النظر في السياسة الضريبة تجاه هذه المنتجات التي تبلغ عليه الضرائب اليوم حوالي ٢٠٠ بالمئة، وهو ما جعل تهريبها اليوم احدى  الأهداف الرئيسيّة للمهربين نتيجة المكاسب الكبيرة التي يحققونها، مما يفرض على الحُكومة إعادة النظر في مُعدّلات الضريبة والرسوم المفروضة عليها لكي تحدّ من تهريبها.

عدم تحرك الحُكومة في التعاطي مع قضايا التهريب بأسلوب غير تقليديّ هذه المرّة سيشكل ضربة موجعة لإيراداتها خاصة من الدُّخَان الذي تُقرّ بعض الأوساط أن الضائع على الخزينة نتيجة تنامي عمليات تهريبه قد تتجاوز الـ٦٠٠ مليون دولار على أقل تقدير.

[email protected]

التعليقات مغلقة.