صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تقييم الأداء الاقتصادي لعام 2019 بين التفاؤل والتشاؤم

وعند التقييم العام والموضوعي للاقتصاد الأردني، فالمسألة تحتاج الى موازنة أداء العديد من القطاعات والمؤشرات، الى جانب المقارنة مع التاريخ (الأداء الماضي) ومع الجغرافيا (أداء بقية الدول المشابهة والمتطورة)، ومع الأرقام المستهدفة وطنياً، ربما بما يفوق في تعقيده وتنوعه علم الطب

أيهما أولى بالمديح: الطبيب الذي يُطَمْئِنك على وضعك الصحي فيؤخر إنعاشك ويؤجل تعافيك؟ أم الطبيب الذي يكاشفك بوضعك الحقيقي ويصف لك العلاج المناسب بالجرعة المناسبة وفي الوقت المناسب؟
الطبيب الثاني هو الأولى بالمديح، ولا مانع من ذكر ما يرفع من معنوياتك بشرط أن يكاشفك بوضعك الاجمالي ويصر على انعاشك السريع ويحثك على أخذ الدواء الضروري دون مماطلة أو خداع ذاتي. فهذا هو المنهج العلمي الرصين الذي يتأسس على الاحاطة بالحقائق “كما هي” في عالم الواقع، دون إنكار أو تشويه، أو ذم أو مديح، أو تهوين أو تضخيم، أو تشاؤم أو تفاؤل.
وعند التقييم العام والموضوعي للاقتصاد الأردني، فالمسألة تحتاج الى موازنة أداء العديد من القطاعات والمؤشرات، الى جانب المقارنة مع التاريخ (الأداء الماضي) ومع الجغرافيا (أداء بقية الدول المشابهة والمتطورة)، ومع الأرقام المستهدفة وطنياً، ربما بما يفوق في تعقيده وتنوعه علم الطب.
هذا يختلف اختلافاً بيناً عن التقييم المعتمد على مؤشرات منتقاة تأثرت بعوامل غير متكررة بالضرورة، أو على أرباح شركات كبيرة محدودة دون غيرها من الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة.
خبراء الاقتصاد الكلي، ومن ضمنهم خبراء صندوق النقد والبنك الدوليين، يُقسّمون الاقتصاد الى أربعة قطاعات رئيسية هي:
أولاً: القطاع الحقيقي، وهو معنيٌ بأداء القطاعات الانتاجية في مختلف القطاعات والأنشطة الوطنية، السلعية منها (كالزراعة والصناعة والانشاءات) والخدمية (كالتجارة والنقل والاتصالات والاقتصاد الرقمي والمطاعم والفنادق والخدمات المالية والعقارية). ويعتبر النمو الاقتصادي ومعدل البطالة أبرز مؤشراته.
ثانياً: القطاع الخارجي، وهو معنيٌ بأداء ميزان المدفوعات ككل تجاه العالم الخارجي، ويشمل تجارة السلع، وتجارة الخدمات (بما فيها الدخل السياحي)، وحوالات العاملين، والمنح الخارجية، وتدفقات الاستثمار الأجنبي بشقيه المباشر (الحقيقي) وغير المباشر( المالي) .
ثالثاً: القطاع النقدي والمصرفي، ويشمل مؤشرات استقرار أسعار السلع والخدمات، ورصيد الاحتياطيات الأجنبية، ونمو السيولة وتوسع التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل البنوك، وأداء بورصة عمّان، وأخيراً مديونية الأفراد والأسر.
رابعاً: قطاع المالية العامة، ويشمل مؤشرات المديونية العامة وعجز الموازنة العامة.
ولست هنا بصدد الافصاح المطول عن أداء كافة القطاعات الأردنية باستخدام مختلف المؤشرات والاحصاءات الحكومية لعام 2019، فهذا متاح في تقارير شهرية رسمية.
لكن يمكنني وصف أداء عام 2019 حتى تاريخه بالمقارنة مع أداء عام 2018 بأنه: (1) مستقرٌ نسبياً/ متراجعٌ قليلاً في القطاع الحقيقي عند مستويات غير مواتية وتقل بوضوح عن مستواها الممكن أو طويل الأجل، (2) متحسنٌ في القطاع الخارجي حسب البيانات المتاحة، و(3) ذو أداء مختلطٍ في القطاع النقدي والمصرفي. والكاتب هنا لا يتحدث عن المستقبل -بتشاؤم أو بتفاؤل- بل عن الأداء الفعلي خلال الشهور الخمسة من عام 2019.
فلا يكفي قولنا: حدث تطور ايجابي أو تعافي في مؤشرات الصادرات السلعية والدخل السياحي وحوالات العاملين، مهما كانت الأسباب الكامنة، لأن الاقتصاد الوطني يضم أيضاً ثلاثة قطاعات رئيسية غير القطاع الخارجي. ولا يجوز أيضاً أن ندعي تراجع الاقتصاد الكلي لحدوث العكس في فترة قادمة. أما تقييمات مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية فتركز على اعتبارات القدرة على السداد وتداعياتها على تكلفة الاقتراض الخارجي.
ولو خُيّرت بين مختلف القطاعات ومؤشراتها، لأعطيت القطاع الحقيقي ونموه الاقتصادي وزناً أكبر لكونه الأكثر شمولاً وترابطاً بغيره من القطاعات. ويوافقني في هذا التقييم الشخصي، وزير المالية الأسبق د. محمد أبو حمور الذي يرى -مؤخراً- بإن الاقتصاد الأردني سيبدأ بالتعافي إذا ارتفعت معدلات النمو من 2% إلى 5% على الأقل. ويبدو ان د. أبو حمور يراعي في تقييمه معدلات نمو السكان وتداعياتها على سوق العمل ومتوسط دخل الفرد.

*: خبير ومستشار اقتصادي

التعليقات مغلقة.