صحيفة الكترونية اردنية شاملة

القطاع العام .. مسار اصلاحي متعثر 

للأسف جميع معالجات القطاع العام تمت في غياب عمليات التدريب المنظم والمهني والعلمي لآلاف العاملين في القطاع العام

 لا شك أن القطاع العام  كان له دور بارز في تنمية الاقتصاد الوطني والنهوض بمفهوم الإدارة المحلية في المملكة، ناهيك عن دوره المميز في ذات المجال في دول الجوار، فالإدارة المحلية الأردنية كان لها ميزة تنافسية عالية جعلتها ضمن الثروات التي يتغنى بها الخطاب الإعلامي الرسمي على مدى عقود .

لكن للأسف هذا المشهد الايجابي لم يستمر في التميز والنمو بذات الوتيرة، فتحت مظلة ما يسمى بالإصلاح بدأ القطاع العام في التراجع للوراء من حيث دوره المفصلي في التنمية، وخدمة المجتمعات وتعزيز بيئة الأعمال المحلية .

تحت حجة الإصلاح فقدنا في الممكلة إحدى أهم ثرواتنا الوطنية في مفاهيم التنمية الإدارية وتطوير عمل القطاع العام بنا ليواكب آخر المستجدات والتطويرات الإدارية العالمية.

فمنذ عام ٢٠٠٤ تم إطلاق ما سمي حينها بخطة تطوير القطاع العام بعد أن تم استحداث وزارة خاصة لهذا المفهوم اسمها وزارة تطوير القطاع العام، وخلاصة انجاز هذا التطوير المفاجئ حينها ضخ ما يقارب ٤٩ ألف موظف جديد في مؤسسات القطاع العام المختلفة، وكانت هذه نقطة البداية للانفجار الوظيفي في القطاع العام المحلي الذي تناغمت عمليات التعيينات فيه مع ضغوطات القوى المخالفة في المجتمع متجاوزة مع كل أسف مبادئ الحاكمية والشفافية في التعيينات، ومستندة إلى الواسطة والمحسوبية، وهذا الأمر جعل أعداداً كبيرة من العاملين تحت مظلة القطاع العام يعملون بالاسم فقط دون أن يكون لهم أية تداعيات وظيفية مؤسسية، مما دفع بمنحنى التراجع الإداري على كافة المستويات بالظهور التدريجي إلى أن تحول إلى إشكالية حقيقية تبحث عن حلول عميقة لمعالجتها.

في هذه الأثناء ظهرت بشكل متسارع وكبير مفاهيم عقود العمل الجديدة في القطاع العام الممولة من مشاريع المنح الخارجية، وهذه  بحد ذاتها كانت تتضمنً مفاهيم ايجابية وسلبية معًا، ايجابية أنها ما أن تم تعيين أصحاب الكفاءات في إدارة المشاريع برواتب عالية جدًا تصل لأربعة أضعاف مما هي عليه في ذات المسمى الوظيفي بالقطاع العام ، لكن سلبيتها أنها أحدثت فروقات مالية بسن العاملين في ذات القطاع الواحد ما ساهم في تنامي حالة الاستياء في القطاع  بين العاملين فيه .

استمرت هذه الحالة في التعيينات وانتشار الواسطة والمحسوبية لدرجة أن نفقات القطاع العام تنامت ثلاثة أضعاف ما بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠١١، وكانت الأسباب المالية وراء قيام الحكومة في عام ٢٠١١ باختراع وصفة جديدة لمعالجة التشوهات والتعيينات في القطاع العام عرفت في ذلك الوقت بخطة إعادة الهيكلة بموازنة تقديرية بلغت 82 مليون دينار، تهدف إلى معالجة الاختلالات المالية بين رواتب العاملين من جهة، وضبط عمليات التعيينات والاعتماد على الكفاءة  في التعيينات من جهة أخرى، لكن المحصلة كانت فاجعة بكل المقاييس، وباتت الخطة أكبر قضية فساد إداري في تاريخ المملكة بعد أن تجاوزت كلفها النصف مليار دينار، والأهم من ذلك هو تراجع مستوى القطاع العام بكافة مستوياته بعد خروج أصحاب الكفاءات من العمل بعد تخفيض رواتبهم وخروجهم للعمل في الخارج، تاركين القطاع لأصحاب التعيينات وفق مبدأ المحسوبية والمحاصصة والواسطة .

اليوم بدأت الحكومة بمشروع جديد لتقليل نفقات القطاع العام بتخفيف أعداده من خلال قرار إلزامي لكل من بلغت خدمته ٣٠ عامًا، ورغم أن عنوان القرار إيجابي من حيث تخفيف أعداد العاملين وإتاحة الفرصة لمن بعدهم بالانتقال لمرحلة جديدة من العمل، إلا أن القرار ذاته ينطوي على خطورة كبيرة في كيفية إشغال محل هؤلاء أصحاب الخبرات المتقاعدين وفق القرار الجديد، فالكثير من العاملين اليوم في القطاع العام لا يملكون المعرفة والخبرة الإدارية  كسابقيهم ، مما قد يشكل ضربة جديدة للقطاع العام بخروج آخر دفعات الكفاءات الإدارية المتبقية في الدولة تحت مظلة التقاعد .

للأسف جميع معالجات القطاع العام تمت في غياب عمليات التدريب المنظم والمهني والعلمي لآلاف العاملين في القطاع العام ، متوازية مع غياب متعمد لمبدأ المحاسبة والشفافية وانتشار المحسوبية والواسطة التي أغرقت جهاز الدولة الرسمي بتعيينات لا لزوم لها أبدًا.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.