صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الاقتِصاد وصِراع القُوى

لا يوجد لا ليبراليون ولا محافظون في الأردن بل يوجد فاسدون مُفسدون، والصراع مُستمر بينهما طالما انه لا يوجد من يُحاسب أو يقوّم السياسات والأعمال

مسؤولون بلا هُوِيَّة، قِلّة قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة من المسؤولين الاقتصاديين في الحُكومات الأردنيّة من تستطيع أن تُطلق عليه صاحب فِكر اقتصادي معين أو يتبع لإحدى المدارس الفِكريّة في هذا الشأن، الغالبية منهم بِلا هُوِيَّة، ويركب كُلّ الموجات والتيارات في سبيل بقائه بالمنصب، فمرّة يدّعي انه مُحافظ، وأخرى بأنه ليبراليّ، ومرّة يصفون أنفسهم بأنهم وطنيون، وتارة بأنهم أبناء حراثين، وغيرها من الأوصاف التي يطلقونها على بعضهم تماشياً مع حركة الشّارع واتصافه المُختلف للحُكومات.

في الواقع وتحديداً في العقدين الأخيرين لا يوجد في الأردن لا ليبراليون ولا محافظون، إنّما هُناك تَصارع بين فئة من المجتمع للسيطرة على المناصب الرسميّة من اجل تنفيذ أجنداتها الخاصة، وهم أشخاص يجيدون اللعب بالأوراق الثلاث، ولتغطية أعمالهم المشبوهة وفسادهم الذي يمارسونه أثناء العمل الرسميّ يحاولون اّطلاق أوصاف فكريّة على أعمالهم وانهم تَيارٌ إصلاحيّ فيما الطرف الآخر رجعيّ.

الدليل على ذلك أن الفئتين اللتين تتبادلان الاتهامات على الدوام، وقد انتقل صراعهما فعليّاً إلى وسائل الإعلام بعد أن انضم بعض الكتاب إلى فئات الليبراليّة والمحافظة المزعومتين، مارستا السلطة والعمل العام لفترات زمنيّة كافية، فماذا حققا للبلد من نهجيهما أن كان صحيحا أنهما من انصار مدارس فكريّة؟

بالنسبة لأولئك المحافظين فأن الكثير منهم ترعرعوا في كنف القطاع العام ضمن عقلية ومنهجيّة رسميّة، ومارسوا كافة أشكال الإدارة وأسسوا لمنظومة قوانين وقد اخفقوا في تحقيق التنميّة المُستدامة واغرقوا المملكة في مستنقع المديونيّة وترهّل كبير في القطاع العام وتراجع عام في مستوى المعيشة، ناهيك عن شبهات فَساد طالت أعمالاً معينة في بعض السنين، وكثير منهم أشرَفَ ونفذّ جزءاً كبيراً من عمليات التخاصيّة بأسوأ أشكالها، علما أن الذين كانوا يشرفون على العمليّة الاقتصاديّة هم من خريجي الجامعات الغربيّة الراقية ومن انصار اقتصاديات السوق الحرّ.

أما من يطلقون على انفسهم بالليبراليين فانهم يزعمون انهم من انصار مدرسة فكريّة جديدة مبنية على أسس واضحة وحريّة وفلسفة في إدارة الحُكم، والنتيجة كانت أن هؤلاء الذين تساقطوا على القطاع العام بالبراشوت واستلموا زِمام الإدارة الرسميّة للدولة تفننوا في تفتيت الجهاز الرسميّ الأصيل واستحدثوا مؤسسات رديفة للوزارات بقوانين خاصة استطاعوا خلالها تنفيذ أجندات خاصة حققت لهم مكاسب ماليّة كبيرة في حين عادت بالويل على خزينة الدولة.

هؤلاء الليبراليون الذين أداروا عملية خصخصة موارد الدولة وباعوا مُلّكيات الخزينة في الشركات بثمن لا يعادل ربح شركة تعدين واحدة في سنة واحدة فقط، هلعوا في السنوات الأخيرة إلى مُضاعفة الدين العام للمملكة لأضعاف مُضاعفة.

وهم انفسهم من قاموا بتأسيس برامج اُطلق عليها تنمويّة وهي في الحقيقة غير ذلك وأضاعوا موارد الدولة مِثلما حدث في برنامج التحوّل الاقتصاديّ والاجتماعيّ الذي انفق 356 مليون دينار من أموال المساعدات دون مُساءلة، أو مثل صفقة نادي باريس التي أضاعت من خلالها عوائد التخاصيّة لشراء جزءٍ من ديون نادي باريس في صفقة مازالت إلى يومنا هذا تُثير تساؤلات حول كيفية القيام بمثل هذا العمل الذي يفتقد لأبسط قواعد دراسات الجدوى ولمصلحة من أُنجزت الصفقة؟

بالمُحصلة، الدين تجاوز المستويات الآمنة والفقر في كُلّ مكان مصحوبا ببطالة منتشرة بين آلاف الشباب، والفساد تطور كثيراً لدرجة أن البعض يشعر أن هُناك مؤسسة معنية بتنظيمه اكثر من مُكافحته، ولا يوجد من يُحاسب أو يقيّم، ومن يدخل في السلطة يتملّك القرار، ويعمل ما يشاء، واذا ما تحدثت الصحافة عن فَساد أو شبهات من هذا النوع اُتهمت وسائل الإعلام بأنها تغتال الشخصيات، ولا ادري لِماذا لا يتم التدقيق فيما يكتب لتبيان الحقيقة للشّارع العام المُتعطش لِمُحاسبة من أضاع موارد البلاد.

أخيراً لا يوجد لا ليبراليون ولا محافظون في الأردن بل يوجد فاسدون مُفسدون، والصراع مُستمر بينهما طالما انه لا يوجد من يُحاسب أو يقوّم السياسات والأعمال.

[email protected]

التعليقات مغلقة.