صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أزمة بريطانيا الدستورية بقلم: آن أبلباوم

ما يحدث في بريطانيا، بوسع المرء، مثل كثيرين، أن يطلق عليه أزمة دستورية. أما رئيس مجلس العموم البريطاني فقد أطلق عليه «الغضب الدستوري». ومضى آخرون شوطاً أبعد، حتى انتشر وسم #stopthecoup (أوقفوا الانقلاب) على تويتر في بريطانيا. وقد يصف المرء ما يحدث بأنه ليس إلا قليلاً من «الخداع البرلماني» الذميم، كما وصفه أحد الأصدقاء من مؤيدي الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت). لكن مهما يكن من أمر النهاية التي ستصل إليها هذه الملحمة – سواء بالوصول إلى بريكسيت أو لا بريكسيت، أو إجراء انتخابات أو عدم إجراء انتخابات- فإن تعليق رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، غير المعتاد وغير المسبوق للبرلمان، الذي أعلنه يوم الأربعاء، سينتهي بالمساعدة في نزع المصداقية عن البرلمان ونزع المصداقية عن الديمقراطية، في واحدة من أقدم الديمقراطيات في العالم.
وقلل فريق جونسون من أهمية هذا القرار، رغم أن الأمر جدي. فقد دعا جونسون إلى هذا التعليق الذي سيبدأ 11 سبتمبر، كي يتجنب تصويتاً برلمانياً بحجب الثقة عن حكومته. ولم تستطع رئيسة الوزراء السابقة «تريزا ماي» التوصل إلى اتفاق بريكست عبر البرلمان، وهذا يرجع في جانب كبير منه إلى أن مؤيدي بريكسيت أنفسهم لم يستطيعوا مواجهة الحقائق الأسوأ بكثير من الفردوس الذي وُعدوا به. ويرجح ألا يستطيع جونسون إقرار صفقة «ماي» الخاصة ببريكسيت عبر البرلمان. ولم يقطع جونسون شوطاً كبيراً في التفاوض من أجل اتفاق جديد أيضاً.
وفي الوقت نفسه، لن تدعم الأغلبية في البرلمان «بريكسيت دون صفقة». وحدوث انسحاب مفاجئ سيعرقل التجارة والسفر وكل شيء تقريباً يربط بريطانيا بالعالم الخارجي. ومجلس «العموم» صوّت بالفعل ضد «بريكسيت دون صفقة» في مارس الماضي. وفي الأيام القليلة الماضية، اجتمع عدد من زعماء أحزاب المعارضة وعدد من المحافظين المتمردين، ووضعوا خطة تشريعية جديدة يراد بها تأجيل الخروج البريطاني لمنع، مرة أخرى، حدوث «بريكسيت دون صفقة».
ولا يتمتع «جونسون» بأغلبية برلمانية، ولا حتى أغلبية شعبية، كي يقر «بريكسيت من دون صفقة». والواقع أن الأغلبية البرلمانية التي بفارق صوت واحد التي يمتلكها «جونسون» ليس لها تفويض برلماني تقريباً. ومن المؤكد أنه لا يتمتع بتفويض شعبي. فلم يتم اختيار جونسون في انتخابات عامة، بل عينه 92 ألف عضو من حزب «المحافظين» ودون برلمان ودون شعبية ودون شرعية حقيقية، يعتقد «جونسون»، رغم كل هذا، أنه يتعين عليه التوصل إلى بريكسيت بحلول موعد نهائي هو 31 أكتوبر، لأن هذا هو ما وعد به في حملته للقيادة، ولأن حزبه قد لا يصمد حتى نهاية هذا العقد.
وقد يكون هناك حلول ديمقراطية لهذه المعضلة. أحدها إجراء استفتاء جديد. لكن جونسون لا يريد هذا لأن معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أن الجمهور لن يدعم على الأرجح بريكسيت مرةً ثانيةً. وإجراء انتخابات قد يكون حلاً آخر. وقد نصل إلى هذا الحل، لأن أحد تأثيرات إعلان يوم الأربعاء الماضي قد يكون إجراء تصويت بعدم الثقة في الحكومة، خلال الأيام القليلة المقبلة، أثناء اجتماعات البرلمان قبل تعليق جلساته، وهو التصويت الذي يتردد بعض المحافظين حالياً في دعمه.
لكن إجراء انتخابات في هذه الظروف بعد التعليق الدرامي للبرلمان، سيكون قبيحاً أيضاً. فقد أشار أحد مستشاري جونسون إلى أن شعار الحملة الانتخابية سيكون «الشعب ضد السياسيين» وهذا يعني، بشكل غير منطقي، أن يكون «الشعب ضد البرلمان». ويعتقد كثيرون، فيما يبدو أيضاً، أن جونسون قد يحقق «بريكسيت»، في ظل غياب المعارضة، بينما تمضي الحملة قدماً، دون برلمان. وإذا أصبح هذا هو الحال، فلا يهم من هو الفائز. فهذا النوع من الحملة، بمثل ذاك الشعار وفي غمرة هذه الفوضى، سيعمق الانقسامات العميقة في البلاد، ويجعل من يخسر لديه قناعة بأنه قد تم خداعه، مما يجعل بقاء الحكومة التالية شبه مستحيل.
وإذا فاز «المحافظون» بالانتخابات بعد مثل هذه الحملة، فستظهر معارضة متمردة ستقوم بكل شيء دستوري أو غير دستوري لمنع حكمهم. وإذا فاز أعضاء حزب «العمال»، فسيجدون إغراء في استخدام بعض الحيل نفسها، بما في ذلك تعليق البرلمان، لتنفيذ قائمة أولوياتهم غير الشعبية. وإذا كان هناك برلمان متقارب في الكتل التصويتية، فلن يتم إنجاز شيء على الإطلاق. والندوب ستستمر لفترة طويلة. وذكر اللورد «جوناثان ماركس» هو باحث في الدستور من «الديمقراطيين الأحرار»: «إننا لا نقتل بعضنا بعضاً. لكن، على عدة أنحاء، الأمور بدرجة السوء نفسها التي كانت عليها في القرن السابع عشر» حين كانت الحرب الأهلية تطحن بريطانيا.
لقد قاومتُ حتى الآن المقارنات، لكن الأزمة السياسية البريطانية الحالية تشبه الأزمة الموازية في الولايات المتحدة. فهناك إدارة لا تتوقف عن توسيع الحدود لما هو ممكن دستورياً، كي تحقق نتائج لا تحظى بشعبية. وهناك حزب خائف على مستقبله الانتخابي يؤيدها على استحياء. وهناك معارضة منقسمة تسعى للتصدي له، لكنها بلا زعيم يحظى بشعبية. وهناك حزب «محافظ» يستخدم شعارات شعبوية تقوض المؤسسات القومية. والسوابق القديمة والأعراف يجري نبذها بسرعة هائلة مما لا يترك إلا الفراغ. إنها قمة السخرية أن «بريكسيت» الذي كان المقصود به إعادة «السيادة» إلى البرلمان البريطاني، ينتهي به الحال إلى نزع الثقة من البرلمان البريطاني.
*مؤرخة أميركية حاصلة على جائزة بوليتزر وأستاذة بكلية لندن للاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»الاتحاد

التعليقات مغلقة.