صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أين نحن من إستقرار المعاملات

إستقرار المعاملات لا يعني الجمود أو ألّا تخضع التشريعات للتعديل والتطوير فوظيفتها تنظيم المراكز القانونية وضمان مواكبتها لحاجات الدولة والمجتمع

إختزل رئيس الوزراء ” التشغيل ” كهدف إستراتيجيٍّ للحكومة في المرحلة المقبلة ، وبالتزامن ذلك الإعلان ، تصدّر خبر مفاده أن هيئة تنظيم قطاع النقل البرّي تقرّ زيادة قدرها ( ٣٠٪؜ ) على تعرفة المركبات العاملة بالتطبيقات الذكية إعتباراً من بداية العام المقبل أي بعد شهرين من الزمان لتفوق بدلاتها ما يتقاضاه التاكسي الأصفر بتلك النسبة ووقف منح تراخيص جديدة للتطبيقات التي أمّنت أكثر من عشرة آلاف فرصة عمل للأردنيّين ، فكيف سنضمن مساراً مستقرّاً للإستثمار الذي هو نواة التشغيل وحاضنته في الوقت الذي ما زلنا نعاني فيه من أزمة عدم إستقرار التشريعات والمعاملات التي تمثل ركن أساس لإستقطابه وتسكينه ؟

وهذا مثال من بين الأمثلة العديدة التي تنسف مبدأ ” إستقرار المعاملات ” ، ومنها كذلك أن سبق للحكومة وأن أقرت قبل شهور ” نظام تشكيلات الوزارات والدوائر والوحدات الحكومية ” للعام ٢٠١٩ ، ورغم رفعها شعار #دولة الإنتاج حظرت في المادة ( ٨/ب ) من النظام إستحقاق الموظف لزيادته السنوية إذا تزامنت مع ترفيعه رغم إجازة نظام الخدمة المدنية لذلك في المادة ( ٢١/أ ) إذ منحت الموظف الحقّ في الزيادة لدى الإستحقاق السنوي دون قيدٍ أو شرط ، ولم تستثني الحكومة من هذا القيد الجديد الموظف المتميّز و المثاليّ الوارد ذكرهم في المواد ( ٣٤ ، ٣٥ ) من نظام الخدمة على أقلّ تقدير في سبيل التحفيز ورفع مستوى الأداء !

إنّ إستقرار المعاملات لا يعني الجمود أو ألّا تخضع التشريعات للتعديل والتطوير فوظيفتها تنظيم المراكز القانونية وضمان مواكبتها لحاجات الدولة والمجتمع ، لكنّ التعديلات المفاجئة وغير المتدرجة تنسف كلّ الجهود الرامية للنهوض بالإقتصاد الوطنيّ والإنتاجيّة وجذب رأس المال الباحث عن البيئة المستقرة .

لهذا ، يؤثّر غياب التخطيط السليم وإنعدام الرّؤية الواضحة على شعور المُستثمِر بالإستقرار الماليّ وموائمة خططه ودراساته للبيئة الحاضنة ، لذا ينبغي ألّا تكون التشريعات مجحفة بحقّ أيّ طرف إبتداءً حتى لا يضطرّ صاحب القرار إلى إفساد مصلحة طرف في سبيل إصلاح المراكز القانونيّة والماليّة لغيره .

ولعل إبتعاد التشريعات والقرارات عن أسبابها الموجبة أدّى إلى إجهاض الكثير من الأفكار التي يعول عليها في ملف التشغيل على وجه الخصوص ، ولنا في المطاعم المتنقلة مثالٌ حيّ وحتى مسألة منح الجنسية للمستثمر التي تتغيّر شروطها بالقطعة مثالٌ آخر على ذلك .

وحتّى فيما يتعلّق بالعمالة الوافدة ، يُخشى من التأثير السلبيّ لتصاريح العمل الحرّة على قطاعات عديدة إذ ستتيح للعامل الوافد إدارة الأعمال ببدلات ماليّة أقل من تلك التي تتطلبها طبيعة حياة المواطن العامل وصاحب العمل ، وستخلق سوقاً موازياً يستحيل ضبطه والسيطرة عليه لصعوبة إخضاعه للشروط والشكليات القانونية كتسجيل الشركات والمؤسسات الفردية ، وستتفاقم عندها مشكلة الضبط التي تسعى إليها الحكومة بجهد جهيد .

كلّ هذا وأكثر أمثلة واقعية على خلل في صناعة التشريع ، فمبدأ ” دراسة الأثر التشريعيّ ” من أهم المباديء التي تحكم القوانين والأنظمة والتشريعات سواء كانت من مستوى القانون أو النظام أو التعليمات .

وجب علينا أن نستفيد من تجارب الغير ومن تجاربنا ، ولهذا لا بدّ من إيفاء التشريعات والقرارات حقها الكامل في الدراسة وحساب تبعاتها سلباً وإيجاباً ، فحزمة الضرائب التي رفعتها الحكومة عادت على المواطن وعليها بالضرر رغم وجود نظرية إقتصادية عريقة لم تلتفت إليها وهي ” خفض الضريبة يعظّم الإيراد ” !

الأمثلة كثيرة ، لكن ما يعنينا في هذا المقام هو أن نراعي الجهد الملكي الدافع نحو إستقطاب الإستثمارات وتسكينها وتشجيعها ، وفي غمرة العمل نحو التشغيل بات لا بدّ من ضابطٍ يعزز مسألة إستقرار المعاملات و تثبيت المراكز القانونية والمالية ودراسة الآثار التشريعيّة بدقّة وعناية وموضوعيّة .

التعليقات مغلقة.