صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التَّشكِيك بِكُلّ شيء

هذه الحُزم التحفيزيّة الحُكوميّة يجب أن تدخل ضمن خِطة اقتصاديّة شاملة واضحة المعالم والأهداف تشكّل خارطة الطريق للحُكومات الأردنيّة وعابرة للحُكومات ومجالس النوّاب، وهذا الأمر ضروري لأنه يبعث برسالة للمانحين والمؤسسات الماليّة الدوليّة وعلى رأسها صندوق النقد الدوليّ

ليس من السهلّ على الحُكومة أن تُعيد تَرميم جدار الثِقة بينها وبين المواطنين الذي عانى في السنوات الأخيرة من السياسات الاقتصاديّة الانكماشيّة التي اعتدت على جيوبه ودخل القطاع الخاص، مما جعل أمنه المعيشيّ في خطر، ناهيك عن تردي أنشطة وأعمال المشاريع الاستثماريّة المُختلفة.

الحُكومة تحاول الخروج من حالة الرتابة في المشهد الاقتصاديّ، ومقاومة الضغوط الماليّة الشديدة على الخزينة، بالخروج بإجراءات تحفيزيّة لعدد من القطاعات الاقتصاديّة والنهوض بأنشطتها، لكن ومع ذلك يبقى التَّشكِيك بتلك السياسات منهج مُستدام من قبل الغالبية، حتى ولو كان أثرُها فاعلاً وإيجابيّاً على تلك القطاعات، فالتَّشكِيك بات سلوكاً وطبعاً لا يمكن بين ليلة وضحاها إنهائه.

نعم، المواطن معذور في تشاؤمه تجاه الحُكومة، وهو محق في كثير من شكوكه، لكن ليترك لنفسه بصيص أمل وتفاؤل، فالأمر ليس بهذه السوداويّة، وهناك جهد ورغبة صادقة في مواجهة تلك التحدّيات والخروج من النفق المظلم.

حزمة الحوافز الأولى تعرضت لتهكم كبير في الشّارع باعتبارها غير مُجديّة، رغم أن الفعاليات الاقتصاديّة المعنية بها أشادت ورحبت بها نظرا لانعكاساتها الإيجابيّة على أنشطتهم كما هو الحال في القطاعين العقاريّ والصناعيّ على وجه التحديد.

وها هي الحزمة الثانية من الإجراءات التحفيزيّة يُشكّك في جدواها من قبل فئات ومجموعات اعتدنا منهم التَّشكِيك، رغم أن الحزمة الثانية تضمنت إجراءات لطالما كانت مدار مُطالبات الشّارع والقطاعات الاقتصاديّة ذات العلاقة خاصة تلك المُتعلقة بدمج المؤسسات المُستقلة ومراجعة القرارات الحكوميّة المعنية بجمارك السيارات المُختلفة.

اليوم تُطلق الحُكومة وبقرار شجاع لأول مرة دمج ثماني مؤسسات مُستقلة وهو ما سيكون له أثر إداريّ وماليّ في المديين المتوسط والبعيد وصولا ًإلى جهاز إداري عام رشيق، والأمر لا يقتصر على هذا العدد، فالتعهّد الحكوميّ بمواصلة إعادة مراجعة وتقييم كُلّ أداء لتلك المؤسسات التي لطالما كانت على الدوام محط تَّشكِيك منطقي في أداء ووجود بعضها أساسا.

مَنظومة الإصلاح التشريعيَ هي ركيزة أساسيَة أيضاً في تسهيل بيئة الأعمال وسرعة اتخاذ القرار والتعامل مع المستثمرين والمواطنين وإنجاز معاملاتهم بالسرعة المَطلوبة، هذه كُلّها أمور في غاية من الأهمية، ولا يجوز التقليل من شأنها وحيويتها، فهي مطالب قديمة من قبل فعاليات القطاع الخاص والمواطنين، ولا يعقل عند إصلاح الوضع واتخاذ القرار المُناسب بشأنهم يجري تبخيس الأمر وكأنه شيء لم يكن.

أيّة عملية إصلاحيّة تجاه تعديل وتصويب أي سياسة عادة ما يقابل في السابق برفض بسبب تداعياته على الخزينة التي تُعاني من ضغوطات كبيرة، لذلك ليس من السهل اتخاذ قرارات تحفيزيّة في ظل الضغط الماليّ الهائل الذي تتعرض له الخزينة، والبحث المُستمر عن توفير الرواتب ومستلزمات الإنفاق التمويليّ لجهاز الدولة العام، فالحرص والتخوف معاً من نقص الإيرادات يُشكّلان هاجساً لدى راسم السياسة الماليّة للدولة.

هذه الحُزم التحفيزيّة الحُكوميّة يجب أن تدخل ضمن خِطة اقتصاديّة شاملة واضحة المعالم والأهداف تشكّل خارطة الطريق للحُكومات الأردنيّة وعابرة للحُكومات ومجالس النوّاب، وهذا الأمر ضروري لأنه يبعث برسالة للمانحين والمؤسسات الماليّة الدوليّة وعلى رأسها صندوق النقد الدوليّ، فالأساس هو أن تتأكد تلك الجهات بأن الحُكومات ماضية بالإصلاحات تحت مُختلف الظروف والتحدّيات، وأن الهدف في النهاية ينصب على إعادة وتيرة النُمُوّ الاقتصاديّ.

[email protected]

التعليقات مغلقة.