صحيفة الكترونية اردنية شاملة

قصة سعيد الراجح!! التناقض بين المشاعر والمحسوسات ؟؟؟

أحس سعيد بأنه ولوهلة ما ليس هناك داعٍ للسعادة أو أن هذا المفهوم لم يكن موجوداً أصلاً في الحياة، فما الحياة إلا ضنك وألم ولربما كان هناك حياة أخرى فيها سعادة فقط

لم يكن يعلم سعيد الراجح أنه ليس له من اسمه نصيب، فقد كان دائم القلق ودائم الحزن ففي كل الأحداث لا يجد ما يسعده بل وعلى العكس غالباً ما أن الموضوع ينقلب إلى الضد معه .
فتراه يذهب –مثلا- في رحلة مع اصدقائة باحثاً عن المتعة فيعود من تلك الرحلة محملاً بالضيق والضجر والملل، نصحه بعض أصدقائه بالزواج فعله يجد من تؤنس وحدته وتملأ حياته فرحاً وسعادة، وبالفعل فقد تزوج فتاة –كاملة الأوصاف- على حد قول أصدقائه إلّا أن ذلك لم يغير من مزاجه شيئاً ولم يعدل الحزن الذي يعتريه لدرجة أن زوجته لم تستطع الاستمرار معه لأكثر من ثلاثة أسابيع وبعدها رجعت لبيت أهلها وطلبت منه الإنفصال ولم يكن لديه أي مانع لذلك .
وعند سؤالها عن سبب طلبها الطلاق أجابت :” أن سعيداً يعيش في عالم آخر عالم من الحزن والعمق والسواد فهو لا يرى من الأشياء الا النقص الذي يعتريها فعند نظره للوحة ما فهو يبحث عن الخلل ويظل يبحث إلى أن يجده دون أن يجد المتعة في النظر للألوان أولبراعة الرسام!! كان غريباً مزعجاً ويكأنه يعاني من التوحد حاولت مراراً وتكراراً معه إلا أن إجاباته كانت مختصرة ولا تفي بالمطلوب… لم أستطع الإستمرار معه لأني في كل لحظة كنت أخشى من ردة فعله غير المتوقعة،هدوءه قاتل، صمته مخيف، نظراته مرعبة… هو شخص غامض حزين كئيب… توالت الأيام على سعيد وهو يعيش في هذه الحالة عدم الرضى عن أي شيء فعند سؤاله عن فصل الربيع مثلاً هل تحب فصل الربيع، يقول: “إنني أنزعج منه الجو غير الثابت الحشرات كثيرة والجو غير متوقع”
– لكن الا تستمع بالخضرة والأزهار والفراشات والشمس الجميلة؟!!
– كلا لأنها أشياء تزعج ما الممتع بذلك؟! لماذا اسّر حينما أرى الفراشات ما الممتع بذلك؟!
– الوانها، رقتها، طريقة طيرانها؟!
– يا رجل أنت تهذي الطيران مهنتها ولو أنها لم تطر لكانت كائناً آخراً، أما رقتها فهي نقطة ضعف وليست سمة جمال!!
أحس سعيد بأنه ولوهلة ما ليس هناك داعٍ للسعادة أو أن هذا المفهوم لم يكن موجوداً أصلاً في الحياة، فما الحياة إلا ضنك وألم ولربما كان هناك حياة أخرى فيها سعادة فقط، فهو الآن يمرّ في المرحلة الأولى وهي التعاسة وإن تجاوزها بنجاح لربما وصل للمرحلة التي تلي وهي السعادة المطلقة وحينما بدأ يتحدث بأفكاره هذه أمام الآخرين دار النقاش حول الدين وسؤاله إن كان قد أعد نفسه للحياة الأخرى من خلال التعبد والتقرب إلى الله كان يحيب، “إن الله موجود في كل مكان وإن الله يعلم مالذي تقوم به وليس بحاجة لوسيط وأنا لا أعمل ما يغضب ربي وأشعر بأنه يحبني وأن علاقتي مع ربي ممتازة.
تطور موضوع سعيد ليصبح حديث البلدة، والموضوع الذي يتداول به معارفه، وأصبح سعيدٌ لا يلبس إلا الألوان الداكنة وعند سؤاله عن ألوان قوس قزح كان يجيب أنه غير موجود بالحقيقة وإنما هو مجرد فكرة تصنعها العقول لأنها تحب أن ترى ذلك! فالألوان غير موجودة إلا بالذهن وبالحقيقة هي غير ذلك وأن كلمة سعادة أو تعاسة هي فكرة أيضاً في الدماغ وليست شيئاً ملموساً فعندما تقول لفتاة كلمة أحبك ستشعر بسعادة غامرة – إن كانت تنتظرها- وإن قلت لها كم وزنك؟! فتشعل عندها التفكير بأنها تعاني من السمنة .وإن قلت لها بأنك على موعدمع فتاة جميلة بعد قليل ستشغل الغيرة !! اذاً كلها أشياء غير موجودة إلا في الدماغ فلماذا تريدون مني تجسيد الأشياء غير الموجودة أصلاً!!
– ولكن هناك أشياء محسوسة مثلاً إن أهديت هذه الفتاة نفسها وردة حمراء فهي ستلمسها وتقبلها وتحتفظ بها وهكذا.
– وردة وحمراء!!
– انت يا صديقي لا تفهم ما أرمي إليه، فعندما تأخذ الفتاة الوردة مثلاً –ان اجزت كلامك- فالمهم هل هي الوردة الملوسة أم ما يتولد عنها من مشاعر؟ وما الذي يبقى هل هي الوردة أم أثرها؟!
– كلاهما
– خطأ، الوردة تذبل وتموت وتنتهي في سلة المهملات أما ما تولد عنها من مشاعر هو الباق فقط!!
فكر سعيد الراجح أثار اهتمام وفضول الجميع… وفي أحد الأيام مرّ سعيد أمام مجموعة من أصدقائه القدامى الذين كانوا يجلسون على مقهى في نفس الحي، ولم يلقي عليهم التحية… فناداه أحدهم…
– سعيد لماذا لم تلقي التحية…
– اجاب سعيد : لقد رأيتموني ومشاهدتكم لي ولدت عندكم المشاعر التي تتحدثون عنها سواء أحييتموني أم لا، فلو ألقيت التحية أم لا فما المؤثر أو ما الذي ستضيفه تحيتي عليكم سوى مشاعر غير موجوده إلا في أذهانكم…
وغادر سعيد المكان تاركاً صحبه في حالة من الذهول وأسئلة كثيرة دارت في الأذهان!!
ما دقة ما يتكلم به!! هل يتحدث بناء على منطق علمي؟! أم هو مجرد كلام!! أم هل هو مجنون؟! هل وصل من درجة علمه إلى الجنون؟!!
المهم أن الجميع اتفق على كون سعيد شخصية غريبة الأطوار ذات منطق وجدل كبير…
واستمر سعيد في حياته كالمعتاد دون أي تغيير لأنه كان متأكداً بأن التغيير هو مجرد فكرة في الأذهان كما هي المشاعر والألوان؟!!

*مدير عام مدارس الرأي
ومؤسس مدارس كنجستون الدولية

التعليقات مغلقة.