صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التحفيز بين التشاؤم والتفاؤل

يبقى التحديّ المقبل للحُكومة هو أن تترجم هذه الإجراءات التحفيزيّة ضمن خِطة اقتصاديّة مُتكاملة تحدد ملامح المرحلة المُقبلة وكيفية التعاطي مع التحدّيات التي تُحيط بالاقتصاد الوطنيّ سواء أكانت داخليّة أم خارجيّة.

مُشاهدتي الأوليّة لردة فعل الشّارع على الحُزمة التحفيزيّة الثالثة بإنها كانت اقل استياء من سابقتها، وأن هُناك إيجابيّة أفضل في التعاطي معها.

لعلّ ذلك يعود لعدة أسباب، أهمها: أن سلوك الحُكومة المُستمر في إطلاق الحوافز والإيفاء بتعهداتها في هذا الشأن خطوة مُهمة في تعزيز مصداقيّة خِطابها الاقتصاديّ الإعلاميّ الذي كان للأسف مدار شك خلال السنوات الماضيّة.

في الحزمة الثالثة كانت غالبية إجراءاتها تنصب مباشرة على الشريحة العاملة في المُجتمع والتي تعاني اكثر من غيرها من تداعيات السياسات الانكماشيّة التي اتبعتها الحُكومات بالتعاون مع صندوق النقد الدوليّ وأثرت على الأمن المعيشيّ للمواطنين، وهي طبقة موظفي الدولة بشقيها المدنيّ والعسكريّ ومُتقاعديها، فلأول مرّة منذ عام ٢٠١١، يحصلون على زيادات في رواتبهم، وهذا امر فيه إيجابيّة كبيرة، جعلت من الحوافز هذه المرّة تلقى قبولا ًمُريحاً في الشّارع، ولا يعني هذا أن الإجراءات السابقة اقل أهمية، لكن هذه المرّة لأنها تصب مُباشرة في دخل الأفراد، ورغم أن الإجراءات كانت مُكلفة على الخزينة، إلا أن فيها استجابة لِمطالب الشّارع بتحسين القوة الشرائيّة للأسر.

طبعاً هنُاك من يُقلل من قيمة الزيادة بهدف تبخيس الإجراءات وسرقة الإيجابيّة في الموضوع، وهذا الأمر لن ينتهي طالما بقيت الانطباعات يغلّفها السوداويّة والشك في كُلّ ما تقوم به الحُكومة، حتى ولو قامت الحُكومة بمنح زيادة في الرواتب أضعاف ما منحته، فحالة النكران لن تختفي، فإعادة الثِقة بين الحُكومة والشّارع ليس بالأمر السهل في الظروف الراهنة.

الكُلّ يتذكر جيداً قرار الدمج لِثماني مؤسسات مُستقلة بِحُزمة التحفيز الثانية، فجزء من الشّارع اعتبر القرار غير مكلف وغير مجد على الإطلاق، ووصفوه بأكثر من ذلك، واليوم الحُكومة تواصل عمليات الدمج، وهذا فيه تصديق لتوجّهها العام في إعادة النظر بشموليّة في كافة أعمال وأنشطة الهيئات المُستقلة.

استمرار الحُكومة في مُناقشة مَطالب الشّارع سواء بالإصلاح وإزالة التشوهات، أو بتحسين الظروف المعيشيّة للمواطنين، وترجمة هذه المناقشات لخطط عمل وإجراءات ملموسة على ارض الواقع وأن كانت غير كافية يعتبر خطوة هامة على صعيد إعادة ترميم جدار الثِقة بين الشّارع والحُكومة من جهة، وتغيير الانطباعات السلبيّة الموجودة في نفوس المواطنين والمتراكمة من سنين طويلة تجاه السياسات الحكوميّة وعدم المصداقية بتوجهاتها، وهم معذورون في ذلك مع الأسف، لأن السنوات الماضية كانت مليئة بالتجاوزات على التعهدات الرسميّة في تحسين الأحوال المعيشيّة والنهوض بالواقع الاقتصاديّ، وهذه التجاوزات كانت قبل الحُكومة وسياساتها التي خالفت خطابها بشكل كامل.

يبقى التحديّ المقبل للحُكومة هو أن تترجم هذه الإجراءات التحفيزيّة ضمن خِطة اقتصاديّة مُتكاملة تحدد ملامح المرحلة المُقبلة وكيفية التعاطي مع التحدّيات التي تُحيط بالاقتصاد الوطنيّ سواء أكانت داخليّة أم خارجيّة.

[email protected]

التعليقات مغلقة.