صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ماذا لو…؟

خطاب جلالة الملك المعظم أمام البرلمان الأوروبي كان مميزا بكل المعايير والمقاييس… خطاب شامل وواف تطرق، وبشكل جلي بين، لمجمل القضايا المحورية في المنطقة والعالم وأبرزها و”أعمقها جرحا” كما وصفها جلالته، القضية الفلسطينية، والازمة الاخيرة بين الولايات المتحدة وايران. بالإضافة الى العراق وسوريا وليبيا، والتحدي الكبير لكافة الحكومات العربية بتامين الحياة الحرة الكريمة لشعوبها والوظائف لابنائها.

شخص جلالته كافة هذه القضايا بعمق ووضوح كبيرين.. بلغة متمكنة يفقهها ويدركها الغرب… وأسلوب إلقاء ولغة جسد متفردة على مستوى القيادات العربية، وقلما نجدها عند اي زعيم آخر في العالم… فعل كل ذلك في أقل من عشرة دقائق فقط، وسط إعجاب وتقدير منقطعي النظير، سواء ممن كانوا في القاعة أو على مستوى العالم اجمع على حد سواء… لتصبح بذلك بحق كلمة مرجعا سياسيا للتاريخ.

احد ابرز ما ميز الخطاب هو قيام جلالته بوضع العالم امام مسؤولياته في المنطقة من خلال طرحه لكافة المخاطر التي تواجه المنطقة والعالم، وذلك بسؤال جلالته المتكرر “ماذا لو… ؟” لكل قضية من هذه القضايا… أراد جلالته بذلك ان يبرز للعالم وبشكل جلي مخاطر أوضح جلالته انها في منطقتنا عادة ما تكون، وللاسف، أقرب للواقع عن كونها ترفا فكريا او تحليلا نظريا.

فماذا لو تخلى العالم عن حل الدولتين لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وحل القضية المحورية في المنطقة والعالم؟ ماذا لو بقيت القدس، العزيزة على قلب جلالته وقلب كل مسلم ومسيحي في هذه الدنيا، موضع نزاع؟ ماذا لو لم تبتعد كل من الولايات المتحدة وإيران عن حافة الهاوية خلال نزاعهما الاخير، وماذا سيحدث لو لا يفعلاها في نزاعهما القادم؟ ماذا لو لم يستطع العراق تحقيق آمال شعبه وانزلق مرة اخرى في دوامة العنف الطائفي؟ ماذا لو بقيت سوريا رهينة للصراعات بين القوى الإقليمية وانزلقت مرة اخرى للصراع الأهلي وعودة المنظمات الإرهابية لتطلق شرورها في كافة أنحاء العالم؟ ماذا لو انهارت ليبيا في حرب داخلية شاملة ترسخها كدولة فاشلة؟ وماذا لو لم تستطع الحكومات العربية تأمين أكثر من ستين مليون فرصة عمل يحتاجها الشباب العربي خلال العقد القادم؟ صرخات مدوية أطلقها جلالة الملك المعظم أمام البرلمان الأوروبي ليوضح ويرسخ ويوثق للعالم مخاطر عدم التعامل مع تحديات المنطقة، والتي هي تحديات للعالم اجمع، بكل جدية وفاعلية.

اكد جلالته ان قادة العالم يعيشون افضل حياة اذا ما تمكنوا من ان يكونوا عند مستوى آمال وتطلعات شعوبهم…فرسخ جلالته بذلك نظرة العالم له كقائد قدوة انموذج يهتدي به دوما قادة العالم وشعوبها، وينبوع حكمة نغرف وننهل منه جميعا معرفة ووسطية وحكمة، ومنارة نبراسا وضاءة تنير لنا الطريق والنهج…

لكل ذلك، فإن أبناء الوطن المنتمين لثراه الطاهر والمخلصين لقيادته الهاشمية الحكيمة على مر عقود طويلة، ليتساءلون، كجلالته تماما، لماذا عجزت الحكومات الأردنية المتعاقبة عن تحقيق وتنفيذ رؤى القيادة الحكيمة والانصياع الكامل لتوجيهاتها الواضحة والمحددة لها في خطابات العرش السامي والأوراق الملكية المتعاقبة… وبنفس نهج جلالته يحاكون ويحاكمون الواقع الداخلي من خلال مجموعة من أسئلة “ماذا لو”… ؟!. اسئلة تحاكي الواقع الحالي بوضوح اجاباتها، وتحاكمه بالاستفسار والاستهجان عن سبب عدم تحقيقها.

فماذا لو ان ارتقى رؤساء الحكومات الذين تشرفوا بالحصول على ثقة سيد البلاد خلال العقدين السابقين بتعزيز وتجذير منظومة قيم النزاهة والاستقامة والحكمة والانتماء والولاء والوفاء والاخلاص الحقيقي غير المصطنع للأردن قيادته وشعبه في نفوسهم، وكانوا يتمتعون بالقوة والشكيمة والقدرة على التفكير الإبداعي خارج الصندوق والتمييز بين الغث والسمين واتخاذ القرار الجريء المناسب في وقته المناسب، وقد كان بعضهم كذلك، وبما يمكنهم من قيادة حكومات تحقق رؤى وتطلعات جلالة الملك المعظم وتلبي آمال وطموحات الشعب بالعيش الكريم؟

ماذا لو تم اختيار كافة أعضاء الحكومات السابقة على اساس الكفاءة والأهلية والمعرفة والخبرة العملية في نطاق مسؤولياتهم، ولم يتم اختيار معظمهم على اساس المعرفة الشخصية المبنية في معظمها على التزلف والكذب والرياء والخداع، او تنسيبات بعض المتنفذين لتسيير مصالحهم الشخصية في كثير من الاحيان؟ حكومات تستطيع تحويل الرؤى والأوراق الملكية إلى حقائق على أرض الواقع، تمس وبشكل إيجابي ملموس حياة كل مواطن على هذه الأرض الطيبة.

ماذا لو كانت المجالس النيابية خلال العقدين السابقين مجالس قوية ممثلة حقا للشعب، منتخبة وفق قوانين انتخاب عصرية، تعكس طموحاته وآماله، وتفرز نوابا اقوياء واكفياء يمارسون صلاحياتهم التشريعية والرقابية بكل كفاءة واقتدار؟ وقد كان بعضهم كذلك..

ماذا لو لم تدخل الحكومات المتعاقبة الوطن في دوامة ومستنقع الالتزامات مع صندوق النقد الدولي، واستعاضت عنه بتطوير وتنفيذ نهج وبرنامج وطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة يستشرف المستقبل ويمكن الوطن من إجراء قفزات تنموية نوعية وكمية في كافة المجالات؟… برنامج عابر للحكومات يتم اعداده وتنفيذه بسواعد وطنية بشراكة فاعلة ما بين القطاعين العام والخاص الوطني وكافة مؤسسات المجتمع المدني.

ماذا لو قامت الحكومات المتعاقبة بخط وتنفيذ استراتيجية واضحة وجدية وفاعلة لمكافحة الفساد.. تبني على ما تم انجازه… فتقر قوانين لرفع السرية عن الحسابات المصرفية لكافة المسؤولين الحاليين والسابقين واقربائهم داخل الوطن وخارجه… فتبدأ بمحاربة الفساد من قمة هرمه نزولا وبشكل جدي وفعال…

وغيرها الكثير من أسئلة “ماذا لو؟”..

أسئلة مشروعة تنهج نهج قيادة الوطن الحكيمة في استقراء الماضي وتحليل الواقع المعاصر واستشراف المستقبل بكل ما فيه من فرص ومخاطر بكل وضوح وعمق وشفافية… وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم في توضيحها والإجابة عليها وتفادي المخاطر الناجمة عن عدم التعامل معها بكل جدية وفعالية وبشكل آني وفوري.

حفظ الله الاردن عزيزا وقويا ومنيعا.. وحماه شعبا وأرضا وقيادة.

التعليقات مغلقة.