صحيفة الكترونية اردنية شاملة

إنهاء الخدمات.. الإيجابيات والسلبيات

أساس نجاح القرار الحكومي هو تطبيق القرار بحذافيره وبدون خلق استثناءات مصحوبة بعمليات تدريبية لخلق صف ثان في مؤسسات الدولة بطريقة إحلالية منسجمة مع احتياجات الدولة للخبرات والكفاءات، وإلا سيبقى القطاع العام يدور في حلقة مفرغة بدون أي تقدم.

تعميم رئيس الوزراء الأخير بإحالة كل من بلغت خدمته العامة الـ30 عاماً للتقاعد المدني أو الضمان، هو قرار يحمل في طياته إيجابيات عديدة وفي الوقت نفسه فيه الكثير من التحديات والسلبيات.

فالقرار ينهي خدمات من تراكمت خدماتهم عبر السنين ويتمتعون بالخبرة الإدارية والقانونية في مؤسساتهم، وليس من السهل على الحكومة أن تجد بديلا لبعضهم، خاصة في دوائر ومؤسسات ووزارات تحتاج إلى تلك الخبرات مثل الضريبة والجمارك وديوان المحاسبة وغيرها من مؤسسات القطاع العام التي تتراكم بها خبرات العاملين، والتحدي الأكبر في هذا الأمر، وكما تعلم الحكومة جيداً، أن غالبية مؤسسات القطاع العام لا تمتلك صفا إداريا ثانيا قادرا على قيادة المؤسسات والاستمرار بها بالوتيرة والإنتاجية ذاتهما، والحكومة تعلم أيضاً أن غالبية التعيينات في السنوات الأخيرة تمت بعيداً عن الكفاءة والإنتاجية، وكانت الواسطات هي الذراع الداعمة لتلك التعيينات، وبالتالي تم تضخيم القطاع العام بفئات لا تمتلك المؤهلات والقدرات العلمية والفنية للخدمة العامة، وهذا ما تسبب في تراجع إنتاجية القطاع العام على مختلف المستويات.

في الخارج، وتحديداً في ألمانيا، عندما يحال أي شخص للتقاعد، يتم عقد دورات تدريبية وتشاركية بينه وبين من سيحل مكانه لأشهر طويلة، بحيث تضمن المؤسسة في النهاية استمرارية العمل بالكفاءة ذاتها، لكن هنا الأمر مختلف تماماً، فقرار التقاعد مثل قرار الموت يأتي فجأة، وبعدها تبدأ سلسلة الواسطات للحصول على الاستثناءات من القرار والعودة للعمل.

المعروف عن قرار الحكومة الأخير بدأ تطبيقه فعلياً في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وعلى إثره تم إحالة ما يقارب الـ3500 موظف للتقاعد، ومن المرجح أن يتم الاستغناء بموجب هذا القرار مع نهاية هذا العام عما يقارب العشرة آلاف موظف، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول كلفة الإحالة على التقاعد على فاتورة التقاعد المدني التي تناهز الـ1.2 مليار دينار في العام الواحد، ناهيك عن أن القرار الأخير أيضاً شمل من انطبقت عليهم المدة من العاملين في القطاع العام تحت مظلة الضمان الاجتماعي، وهذا أيضاً يثير تساؤلا مهما حول كلف تلك الإحالات على ميزانية المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، خاصة في هذا الوقت تحديداً.

صحيح أن القرار الحكومي يسهم في استعادة القطاع العام دوره في التوظيف المتوقف تقريباً منذ أعوام؛ حيث إن قوانين الموازنات العامة تحد من عمليات التوظيف لأسباب متعلقة بالعجز وتنامي النفقات، وتحصرها فقط بوزارتي التربية والصحة، في حين بقيت الوزارات والمؤسسات الأخرى بالجهاز الإداري نفسه منذ سنين طويلة بدون تغيير، لذلك تتطلع الحكومة إلى عمليات توظيف جديدة من هذا القرار لمواجهة معدلات البطالة المرتفعة التي وصلت اليوم إلى مستويات قياسية حتى بلغت 19.1 بالمائة، وهذا الأمر بحد ذاته إيجابي، لكن له كلف مرتفعة اذا لم تكن محسوبة في موازنة 2020، لأن أي عمليات توظيف جديدة تعني أن هناك مزيداً من التضخم في القطاع العام الذي به اليوم أعداد كبيرة تفوق حاجاته الفعلية بأكثر من 50 بالمائة، وبالتالي تصبح عملية الإصلاح في القطاع العام عملية التفاف على المعضلة الرئيسية فيه، وهذه أيضا فيها تحد آخر يتمثل في كيفية مواجهة القطاع العام للبطالة المرتفعة واستعادة دوره التوظيفي، فالمسألة معقدة وليست بالسهلة، فإذا تم التعيين زاد تضخم الجهاز العام، وإذا لم يتم التعيين لن يتم تخفيض معدلات البطالة.

قدرة الاقتصاد على التوظيف كانت في أحسن حالتها لا تتجاوز الـ56 ألف فرصة عمل يتقاسمها القطاعان، لكن كانت تتم تحت معدلات نمو تتراوح بين 5 و7 بالمائة، فكيف هو الحال اليوم في ظل معدلات نمو لا تتجاوز الـ1.9 بالمائة؟

أساس نجاح القرار الحكومي هو تطبيق القرار بحذافيره وبدون خلق استثناءات مصحوبة بعمليات تدريبية لخلق صف ثان في مؤسسات الدولة بطريقة إحلالية منسجمة مع احتياجات الدولة للخبرات والكفاءات، وإلا سيبقى القطاع العام يدور في حلقة مفرغة بدون أي تقدم.

 

[email protected]

(نقلاً عن الغد)‎

التعليقات مغلقة.