صحيفة الكترونية اردنية شاملة

السرطان في الأردن غير!.. ما السر؟

0

من خلال عملي كاستشاري جراحة أورام في مركز الحسين للسرطان، ومن إيماني بحق المواطن الأردني بأن يدرك حقيقة مرض خطير لا يميّز بين مسؤول ومواطن؛ فإني أقدم الحقائق التالية علها تجد أذناً صاغيةً واستجابة سريعةً!.
إنّ الملاحظ في وطننا والذي أثبتته الدراسات العلمية أنّ هناك اتجاه واضح وخطير لإصابة الفئة العمرية الأصغر مقارنة مع العالم وذلك بالإصابة بأشهر ورمين ألا وهما سرطان الثدي وسرطان الجهاز الهضمي وخاصةً القولون.
إنّ سر مرض السرطان لا زال في حكم المجهول. ولكن الجهد العلمي والإحصائي طيلة القرن المنصرم قد أوصلنا لمعرفة عوامل مرافقة لزيادة احتمال الإصابة بهذا المرض وصل بعضها إلى درجةٍ شبه مؤكدةٍ .
إنّ معظم جهود المجتمعات العالمية تصب في الكشف المبكر وهو أمر بالغ ألأهمية للتمكن من علاج المرض في مراحله المبكرة لما له من أثر واضح في النتائج الإيجابية و توفير كثير من الجهد و المال و المعاناة . إلا أنّ هذا لا يمنع حدوث المرض ! فلا بد من تقصي الحقائق لإيجاد ما يمكن عمله لمنع المرض من ألاساس .
وللخوض في ذلك لا بد أولاً من معرفة ما هي العوامل التي تزيد المرض , وكيف العمل إزاءها منعاً أو على ألأقل تخفيفاً , فإنّ التخفيف ولو بنسبةٍ مئويةٍ قليلةٍ يعني إنقاذ آلاف البشر .
إنّ العوامل المتفق على الإشارة إليها كسبب في زيادة مرض السرطان هي : العوامل الوراثية الجينات , طبيعة الغذاء , التدخين , التلوث البيئي سواء كان تلوث مياه الري أو الجو , و الضغط النفسي .
و بالعودة الى حقيقة إصابة الفئة العمرية الاصغر في بلدنا فإنّ معنى ذلك أنّ الجيل الجديد قد اكتسب أو تعرّض للعوامل الآنفة الذكر أكثر من أسلافه !
ولنبدأ بتفحص هذه العوامل لنرى ما الذي تغير في بلدنا ؟ وهل من عمل ؟
العوامل الوراثية ثابتةً عند السلف و الخلف فلا مجال لإتهامها بالتغيّر .
طبيعة الغذاء : و أهم متغير هو نوع الخبز فقد ثبت علمياً أنّ الخبز الكامل ( وليس الملون بالاسمر ) يحوي من الالياف ما يمكنه من سرعة التنقل داخل الأمعاء مما يقلل من الوقت التي تتعرّض له الأغشية خاصةً غشاء القولون للمواد السامة والبكتيرياء الموجودة أصلاً في القولون وهذا يؤدي الى تقليل تأثيرها السيء والذي منه انشاء السرطان . وكلنا يعرف مدى لزوجة رغيف الخبز الحالي إذا ما قورن برغيف الخبز قبل عشرات السنين و ايضاً درجة نقائه و نظافته !
والمتغير الثاني غذائياً زيادة الإقبال على الوجبات السريعة وما تحويه من دهون و مواد ومقبلات وطريقة طبخ يثار الشكوك على كثير منها !
تلوث البيئة : تلوث مياه الري فمرور سريع بجانب سيول بلدنا وما يلقى فيها من مخلفات المصانع ثمّ ما تلبث بعد مسيرك و ذا بمزارع الخضروات تنتشر حولها وسيارات الشحن تنقلها حاملةً معها المصائب الصحية خصوصاً ان معظمها لا يطبخ ! فماذا تتوقع بعد ذلك ؟ و اضف الى ذلك الاضافات الهرمونية !
تلوث الجو والاختناقات المرورية ومخلفات المصانع حتى اصبح سماء مدننا الكبرى يفتقد الى نقائه المعهود !
التدخين و خاصة عند النساء الذي اصبح منظراً مألوفاً بعدما كان من الأمور التي تخدش الحياء !! إنّ الاردن اصبح ينافس عالميا في زيادة نسبة المدخنين مع الفوضى والسماح بالتدخين حتى في المستشفيات والتسبب حتى لغير المدخنيين بالتدخين السلبي الخطير ابضاً !!! ولا أجد للأسف عزماً عند المسؤولين للحد من ذلك ! وبالتأكيد فإن هذا متغير واضح في العقود الاخيرة ويزيد من تأثيره زيادة الكثافة و الاكتظاظ مما يزيد من تأثير الدخان .
و أخيراً وليس آخراً اريد الوقوف عند العامل الأخير وهي الضغوط النفسية . وما يمكن عمله ؟
إن الضغط النفسي هو عامل شخصي إلا أنّ المجتمع يساهم بشكل خطير في زيادته !
إنّ كثيراً من عادتنا السليمة والتي كانت و تتوافق مع الفطرة و نواميس الكون قد تغيرت للاسوأ ! و اول ذلك الحرمان من اغتنام ساعات هدوء بليل تسكن فيه الجوارح نتيجة للفوضى الطارئة و المعتديه حتى على نواميس الكون !
لقد جلب لنا كثير من اخواننا المغتربين في الخليج عادات تصلح لمناخ ذلك البلد و اتسآل ما الحكمة في تغيير نمط حياتنا ؟
و عامل آخر مهم طرأ على مجتمعنا هو جشع كثير من التجار من جهة وخنوع صاحب القرار من جهة اخرى مما سمح بالتعدي على حق المواطن بساعات هدوء بالليل وكل ذلك مبعثه الطمع ولا علاقة له بالانتاج فكل مدن العالم المتطور و المنتج تنعم بهدوء و تغلق محلاتها مبكراً لتنطلق بكل همةٍ عاليةٍ بنهار لها فيه معاش !
ان هذه الفوضى و الضوضاء الى ما بعد منتصف الليل تسير في دائرة مغلقة تزداد توترا يوماً بعد يوم , حتى رموز الفرح و السرور صارت اسبابا للمعاناة و النكد ! و ان استمرت هذه الفوضى و سمح لها فمثل ذلك كمن ترك لسفيه ان يخرم سفينة النجاة فإن لم يمنع غرق الجميع ! والمسؤولية يتحملها ربان السفينة فليتقوا الله .
د. علي داود العبوس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.