صحيفة الكترونية اردنية شاملة

«بريكست» وحمار بوريدان! بقلم: جمعة بوكليب

«تسمع بالمُعِيدي خيرٌ من أن تراه»، بمعنى ربما من الأفضل للمرء أن ينأى بنفسه بدلاً من تورطه في متابعة فقرات السيرك السياسي المنصوب في لندن، منذ قرابة ثلاث سنوات، والمتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ما يميز السيرك البريطاني أنه برؤوس كثيرة، صغيرة وضيقة، وأصوات كثيرة، تحسدها كلاب الأرض في قدرتها على نباح متواصل من دون توقف، وعلى خلق دوامة من ضجيج وطنين، يُذكّر بالموالد الشعبية.
يوم السبت الموافق 30 مارس (آذار) 2019، اليوم التالي مباشرة، لخروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي، كما قررته الحكومة البريطانية، لن يكون يوماً مختلفاً عما سبقه من أيام. فالشمس ستواصل شروقها صباحاً، والبريطانيون سيغادرون بيوتهم لقضاء أشغالهم، والحافلات والسيارات سوف تستحوذ على الطرقات، ومحطات القطارات لن تعرف راحة، ولاعبو السيرك، من المهرجين والحواة، أقصد السياسيين، سيواصلون غير مكترثين، عبثهم، ومهاتراتهم، وهم يطلون على المشاهدين في البرامج الإخبارية السياسية، لكي يزيدوا الأمور تعقيداً، ثم يعودون مبتسمين إلى منازلهم، غانمين سالمين. لكن سياسياً، لا أحد سيعلم، على وجه التحديد، ذلك اليوم، ما إذا كانت بريطانيا قد قررت الخروج فعلياً من الاتحاد، وإغلاق الباب وراءها نهائياً، منعاً للتلفت للخلف أو للندم والحسرة، أم أنها ستبقى، على حالها، مفخخة بالحيرة والتردد، كحمار بوريدان الذي قضى ميّتاً، جوعاً وعطشاً، رغم توافر الماء والعليق أمامه، لكنه تردد في اتخاذ قرار حول ما الأهم أولاً: إسكات جوعه أم إطفاء نار ظمئه!
يبدو، حتى الآن، أن الخيار الثاني، ما لم تتغير الأمور، هو الأقرب إلى ما تقوله مخرجات الواقع اليومي، في ذلك الجزء من لندن، المسمى «قرية ويستمنستر»، حيث يستحوذ مبنى مجلس العموم العتيق على فضاء الرؤية، والمساحة المكانية، مطلاً على نهر التيمس، في علاقة، شبيهة بالتي تربط بين «ثابت ومتحول». وحيث جريان مياه النهر ثابت، ورسوخ المبنى العتيق متحول، وهو تناقض، لكنه صحيح. ولا تأثير له فيما يجري، من زعيق وصراخ، تحت قبة برلمان، شهدت قاعاته، وممراته، ما لا يحصى من أزمات، ومؤامرات سياسية، ورغم ذلك، لم تتفتت بريطانيا انقساماً، ولا تشظى نظامها احتراباً. وما علق من غبار أزمات ذهبت به الريح، وجاءت بغيره. الريح، أيضاً، ستتكفل، هذه المرة، بنفض غبار أزمة «بريكست»، لتعود المياه، تدريجياً، إلى مجراها، وتعاود جريانها المعهود، وتصفو سماء قرية ويستمنستر. السؤال هو: هل سيتم ذلك سريعاً، وفي تاريخ قريب، أم سيترك الأمر للتأرجح لفترة أطول زمنياً؟
المتفائلون يؤكدون، بشيء من تردد، على قرب العثور على منفذ يؤدي بالبلاد إلى الخروج من النفق الحالي. والمتشائمون يؤكدون أن أزمة «بريكست» ليست أزمة خروج من اتفاق، بل أزمة حاسمة لأنها تعبير عن انقسام تاريخي حاد، في المجتمع البريطاني، لم تشهده الساحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تكون له نتائج وخيمة، على المديين القصير والطويل.
ما بدا استفتاءً شعبياً، تحول بقدرة السياسيين، إلى سيرك، مزعج، طويل وممل، يتبارى فيه حواة ومهرجون، من دون إبداء أدني اهتمام بمتفرجين ضجرين، ومنهكين من مشاهدة عروض معادة، تتكرر أمامهم كل يوم، ومن دون بروز إشارات تشير إلى إمكانية حدوث تغير في برنامج العروض، أو بالتخلص من اللاعبين الحاليين، والإتيان بآخرين جدد، أجدّ طراوة، ومحملة جيوبهم بثقل حيل جديدة، قد تبدد غيوم القلق المتراكمة منذ ما يقارب ثلاثة أعوام.
الانتظار لن يدوم طويلاً، وغيوم الهرج والمرج ستنجلي، وتتضح رؤية ملامح القادم من الأيام.الشرق الاوسط

التعليقات مغلقة.