صحيفة الكترونية اردنية شاملة

«بريكسيت» والحدود.. وبنك إنجلترا بقلم: بول كروجمان

قبل بضعة أيام، أفرج بنك إنجلترا عن تقرير حول التأثيرات الماكرواقتصادية- التي لها علاقة بالاقتصاد الكلي- الممكنة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو «بريكسيت» اختصاراً. أكثر السيناريوهات تشاؤما كانت سيئة للغاية، إذ تُظهر ركوداً أسوأ من ذاك الذي أعقب أزمة 2008 المالية. وعلى نحو غير مفاجئ، اغتنم معارضو «بريكسيت» التقرير لتأكيد صحة مواقفهم، في حين اتهم أنصارها بنك إنجلترا بالانخراط في تكتيكات التخويف.
وشخصياً، أعتقدُ أن البريكسيت تمثل خطأ، ولكنني شعرت بالاستغراب والحيرة إزاء كبر بعض الأرقام، وقد أرسلتُ تغريدة على تويتر حول ذلك، فاتصل بي بنك إنجلترا قصد تقديم بعض التوضيحات بشأن ما ورد في تحليلهم. وما أريد فعله هنا هو تقديم فهمٍ لمنطقهم أولاً، ثم تقديم وجهة نظري بشأن توقعات معقولة للبريكسيت على كل من الأمدين القصير الطويل.
الأشخاص الذي تحدثتُ إليهم في بنك إنجلترا شددوا على أنهم لم يسعوا إلى إخافة الناس، أو دفعهم إلى قبول اتفاق رئيسة الوزراء تيريزا ماي، أو أي شيء من ذاك القبيل. ووفق روايتهم، فإن التقرير موضوع الحديث كان يتعلق بالاستقرار المالي، على اعتبار أنه يقيّم قوة البنوك إزاء الصدمات الممكنة. غير أن السيناريوهات السيئة جداً التي لفتت انتباه الجميع لم تكن توقعات، وإنما محاولة لاستشراف العواقب في حال وقوع الأسوأ.
الشيء الأساسي بخصوص النتائج السيئة جداً هو الاضطراب والارتباك الذي قد يأتي مع «بريكسيت قاسية» (أي خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق). ففي الوقت الراهن، تتدفق السلع من بريطانيا وإليها مع الحد الأدنى من المشاكل. ولكن بعد «بريكسيت» سيتعين وجود عمليات تفتيش من قبل الجمارك، والمملكة المتحدة ليست لديها بنية تحتية كافية للقيام بهذه المهمة. وبالتالي، فالنتيجة ستكون تأخيرات كبيرة في «دوفر» وموانئ أخرى، مع طوابير طويلة للشاحنات تمتد على مدى عدة كيلومترات على الطرق السريعة.
هذا الاضطراب هو السبب وراء السيناريوهات السيئة. ولكن لاحظ معي أن هذا التحليل يقول إن تكاليف مغادرة الاتحاد الأوروبي أعلى بكثير من الناتج المحلي الإجمالي الذي كان سيتم التخلي عنه لو أن بريطانيا لم تنضم إلى الاتحاد الأوروبي أبداً، وكانت لديها بالتالي البنية التحتية الجمركية للتعاطي مع التدفقات التجارية.
حسناً، هذا ما فهمته من تحليل بنك إنجلترا. فما رأيي فيه؟
وهل سيكون الوضع سيئاً لهذا الحد حقاً؟ في ما يتعلق بهدف بنك إنجلترا من وراء إصدار هذا التقرير: إذا لم يكن هدفه إخافة الناس، فإن البنك ربما كان ساذجاً لحد كبير، حين لم يستشرف الكيفية التي سيتم بها نقل خلاصاته وقراءتها. لقد جازفوا وتصرفوا على نحو متهور حقا! أما في يتعلق بالجوهر، فإنني أشك في التأثيرات المفترضة للتجارة على الإنتاجية. إني أعلم أن ثمة بعض الدلائل على وجود مثل هذه التأثيرات. ولكن الاعتماد كثيراً على تأثيرات لا نستطيع إظهارها يبدو مريباً.
ماذا عن الاضطرابات التي ستحدث على الحدود؟ الواقع أن هذا يمكن أن يمثّل بالفعل مشكلة كبرى.
المحير بشأن هذه السيناريوهات هي أنها تُظهر تواصل هذه الاضطرابات لسنوات عدة، من دون أي انحسار تقريباً. والحال أن بريطانيا بلد متقدم، ولديه قدرات إدارية عالية – بلد يُظهر التاريخ أنه يستطيع مجابهة كوارث طبيعية ضخمة، وحتى الحروب. فهل ستجد بريطانيا حقاً صعوبة كبيرة في توظيف مفتشي جمارك وتركيب أجهزة كمبيوتر من أجل التعافي من انخفاض بـ8 أو 10 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي؟
وحتى على المدى القصير، أتساءل لماذا لا يمكن لبريطانيا أن تعمل بالمثل القائل: «عندما يفشل كل شيء، فعليك أن تخفّض معاييرك». وعليه، فإذا كان تخفيف الإجراءات، وتخصيص معاملة خاصة لشركات الشحن الموثوقة، وأي شيء آخر، يمكن أن يخفف من الازدحام في الموانئ، ألا يستحق الأمر ذلك كإجراء مؤقت – رغم إمكانية حدوث بعض أعمال الاحتيال؟
ومع ذلك، فإنه لأمر مذهل حقاً أن تجد بريطانيا نفسها في هذا الوضع. ولا شك أنه إذا كانت السلبيات قريبة مما يؤكده بنك إنجلترا، فإنه كان من الجنون حقاً عدم وضع قدرة احتياطية على الحدود بالنظر إلى خطر «بريكسيت قاسية» – الذي كنا نعلم منذ وقت طويل أنه كبير. لا يمكننا التحدث عن كل تلك الأموال الطائلة الآن، ثم إن تصويت بريكسيت كان قبل أكثر من عامين. فما الذي كانت تفعله الحكومة البريطانية خلال هذا الوقت؟
الواقع أنه سواء كنتَ من أنصار بريكسيت أم من معارضيها، ينبغي أن تشعر بالخوف والغضب من الطريقة التي تم ويتم التعاطي بها مع الموضوع.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»الاتحاد

التعليقات مغلقة.