صحيفة الكترونية اردنية شاملة

صفقة ‘واتس آب’!

0

شكلت صفقة شراء برنامج “واتس آب” للتراسل عبر الانترنت من قبل شركة “فيسبوك” بقيمة بلغت 19 مليار دولار الاسبوع الماضي نقطة تحول بالنسبة لشركات الاتصالات حول العالم. هي بالفعل اخبار سيئة لهذه الشركات التي خسرت ما قيمته 33 مليار دولار في عام 2013 من عوائد استخدام الزبائن للمراسلات النصية المدفوعة، بحسب المراقبين. ومن المتوقع ان تصل قيمة الخسائر الى نحو 54 مليار دولار في عام 2016. الخطر المحدق بشركات الاتصال الخلوية يتمثل في زيادة اعداد مستخدمي خدمات وسائل التواصل الاجتماعي المجانية، مثل “واتس آب” و”فايبر” وغيرهما.
استغرق ظهور تهديد حقيقي للصحف المطبوعة نحو اربعة قرون ونيف، مع اختراع اللاسلكي ثم الراديو والتلفزيون. وحتى حينها لم تتأثر مداخيل الاعلام المطبوع كثيرا حتى ولادة الانترنت في بداية تسعينات القرن الماضي. بدأت صناعة الصحافة الورقية بالتأثر مع مطلع الالفية الثالثة ووصلت قمتها في الوقت الحالي وهي قطعا تواجه مستقبلا حالكا في السنوات القادمة. لكن امبراطوريات الاتصالات الخلوية تتعرض اليوم لخطر وجودي يهدد قلب عملياتها وأحد اهم مصادر دخلها بعد نحو عشرين عاما فقط على ظهورها على الساحة.
حققت شركات الاتصالات ارباحا تقدر بمئات بلايين الدولارات في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة بسبب سيطرتها على وسائل الاتصال من صوت ونص ووسائط متعددة مدفوعة الثمن وبدون منافس. ثم بدأ ظهور وسائط الاتصال الاجتماعي المجاني والذي وفر طرقا مختلفة للاتصال عبر الانترنت من صوت وصورة ووسائط متعددة بشكل مجاني وعلى حساب شركات الاتصال.
نذكر هنا برامج رائدة مثل “ياهو مسينجر” و”سكايب” و”واتس آب” و “فايبر” وغيرها، وكلها تعتمد على تقنيات الاتصال المجاني عبر الانترنت. ذلك يحول شركات الاتصال الى مزويدي خدمة الانترنت فقط، حيث تتنافس هذا الشركات على منح العملاء اقل الاسعار مع حزم وباقات ونطاق تردد افضل واسرع.
استحواذ “فيسبوك”، وهي وسيلة التواصل الاجتماعي الأكبر في العالم بنحو مليار مستخدم يوميا، على “واتس آب” يعني تزويد المستخدم بوسائل متعددة للتواصل من صوت وصورة ووسائط متعددة وبشكل شبه مجاني. يستخدم “واتس آب” اليوم نحو 450 مليون شخص ويتوقع الرئيس التنفيذي ل”فيسبوك” ان يصل عدد المستخدمين الى مليار بحلول السنوات القليلة القادمة. وحتى عندما تفرض “فيسبوك” رسما مقداره 99 سنتا اميركيا على استخدام “واتس آب” سنويا فان ذلك لن يشكل عائقا كبيرا، اذ تظل تلك الخدمة اقل كلفة من أي باقة تواصل نصي تعرضها شركات الاتصال اليوم.
المستقبل هو لخدمات التواصل الصوتية والنصية والوسائط المتعددة المجانية او ذات الكلف الزهيدة جدا. وفي رأيي فان هناك خدمات منافسة شبيهة ب”واتس آب” ستزداد شعبيتها، وقد لا تحقق “فيسبوك” العائد المرجو من استثمارها الهائل في تلك الخدمة.
نتجه الى عالم تكون فيه كلف التواصل بين الافراد وعبر القارات مجانية تماما، وهذا يشكل اكبر تحد لشركات الاتصال الخلوية اليوم، وهو ليس بعيد عن التحدي الذي تواجهه الصحافة المطبوعة في مختلف ارجاء العالم. سيأتي يوم تكون فيه خدمة الانترنت شبه مجانية وكل ما عداها سيضطر الى التأقلم او الزوال!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.