صحيفة الكترونية اردنية شاملة

قراءة في مقال الفانك ‘الإصلاح الاقتصادي والنمو’

0

لا زلت أذكر عقد الثمانينيات الماضي حينما كان اقتصاديون اردنيون من أمثال د.عبد الله المالكي ود.فهد الفانك يتحاورون دوماً في صحافتنا ومجلاتنا المتخصصة عن الواقع الاقتصادي وخيارات السياسة الاقتصادية في المملكة. وقتها، كان الاعلام الاقتصادي في قمته من حيث التدافع الراقي في الأفكار وتصفيتها لتحقيق مستقبل أفضل.
مقال د. فهد الفانك بتاريخ 2017/10/17 حول “الاصلاح الاقتصادي والنمو” المنشور في جريدة الرأي، وفي مواقع أخرى، تضمّن رأي الفانك حول طبيعة العلاقة بين الاصلاح المالي والنمو الاقتصادي في الاردن. ونظراً لأهمية هذا الموضوع ووثاقة صلته بتحديات الساعة، رأيت من المناسب تقييم أفكار مقال الفانك وتفنيده.
د. الفانك ينتقد صراحة في مقاله دراسة أصدرها مؤخراً المجلس الاقتصادي والاجتماعي ترى ان برنامج الإصلاح الاقتصادي قد “زاد من تعقيدات مشكلة النمو”. في المقابل، يرى الفانك في مقاله ان برامج صندوق النقد الدولي من شأنها “توفير المناخ الملائم للنمو” من خلال معالجة الاختلالات المالية، وتخفيض العجز المالي وضبط المديونية. بل يتجاوز د. الفانك ذلك ويرى ان معارضيه يؤمنون بأن “النمو لا يحدث إلا في ظل مديونية عالية وعجز واسع في الموازنة “.
لست في موقع المدافع عن التوصيات التفصيلية لدراسة المجلس، ولا أميل الى الاعتقاد بأن سياسة مالية توسعية من خلال تبني حزمة مالية تحفيزية واسعة هي كافية – لوحدها-لضمان النمو القابل للاستمرار، لكني سأناقش بعجالة الفكرة الرئيسية لمقال لفانك.
بداية، لابد من الاتفاق مع د. الفانك بأن معالجة الاختلالات المالية الداخلية والخارجية هو شرط ضروري ولازم للنمو الاقتصادي المستدام، لكن في ذات الوقت لابد من الاتفاق بأن هذه المعالجة لوحدها لا تشكل شرطاً كافياً لتحقيق النمو السريع ناهيك عن الوصول الى هدف النمو التشاركي أو الشامل، اي النمو الذي يحقق التوظيف شبه الكامل ويشترك في منافعه ويشارك في توليده مختلف الأفراد والقطاعات والمحافظات. وهذا متفق عليه حالياً حتى من قبل خبراء البنك الدولي عندما يتحدثون عن “ما بعد الاستقرار الاقتصدي الكلي Beyond Macroeconomic Stability”، خصوصاً بعد الازمات العالمية والاقليمية في القرن الحادي والعشرين.
من ناحية أخرى، فان المطلوب هو البحث عن سياسات تجمع بين تحقيق النمو وضمان التوازن المالي في الأجل المتوسط والطويل، وهذا هو مجال خصب للبحث الاقتصادي الحديث، خصوصاً بعد تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
فليست المسألة الجوهرية هي اعطاء أولوية لهدف النمو الاقتصادي على هدف التوازن المالي (أو العكس)، كما قد يعتقد البعض. لكن الأساس هو البحث عن حزمة سياسات متسقة لتحقيق كلا الهدفين، قدر الامكان، والنظر الى الموازنة العامة باعتبارها –في نهاية المطاف- أداة تنموية تتبع السياسة الاقتصادية ولا تتحكم بمفاصل هذه السياسة دوماً وأبداً وفي مختلف الظروف.
فزيادة الايرادات العامة في الأجل المتوسط والطويل تتحقق تلقائياً من خلال بناء اقتصاد سريع النمو، بشرط مرونة الايرادات الضريبية للنشاط الاقتصادي. في المقابل، فان المبالغة في حلب “البقرة” لن يجفف حليبها فقط، بل ستضعف البقرة أيضاً في الأجل الطويل. ولعل تفاقم مديونية الأفراد والعديد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والمالية الأخرى تؤكد وتعزز وجهة النظر هذه.
التوصل الى هذه الحزمة -وبالاستفادة من توصيات خطة تحفيز النمو الاقتصادي الاردني- هي مسؤولية مشتركة بين الادارة الاقتصادية الوطنية وبين صندوق النقد والبنك الدوليين، وهي تتحقق بالشراكة بين المؤسسات الدولية والقطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الأكاديمي والمدني، بالاضافة الى البرلمان بالطبع.
اما عزو النمو المرتفع في مراحل معينة من الاقتصاد الاردني الى برامج التقشف المالي كما يرى الفانك فهذا لا يتماسك علمياً ولا حتى واقعياً. فمراحل وقصة النمو الاقتصادي في المملكة هي أعقد من ذلك بكثير، والعديد من العوامل أثرت في مختلف المراحل، بما فيها الصدمات الخارجية الايجابية والسلبية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.