صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مدينة الحسين الطبية وأزمة مواقف السيارات

بداية أتقدم بالشكر والعرفان للقائمين على هذا الصرح الطبي العظيم، أطباءَ وكوادرَ فنيةً وإداريةً، لما يقدمونه من جهود حثيثة، في خدمة ذوي الحاجات العلاجية من العسكريين والمدنيين. وبما أن الكمال صفة تتجاوز قدرات البشر، فلابد من ظهور بعض نواحي النقص أو التقصير في إدارة أي مؤسسة رسمية أو خاصة، مما يستوجب الإشارة إليه من أجل إصلاحه.

وعلى هذا الأساس سأتحدث في هذا المقال مع بداية العام الجديد، نيابة عن مختلف المراجعين، عن ناحية إدارية واحدة من نواحي التقصير، ألا وهي توفر مواقف السيارات في المدينة الطبية، متجاوزا بقية النواحي الفنية والإدارية. 

لقد بُنيت هذه المدينة عام على 1973 على ربوة غرب عمان بتوجيهات من جلالة الملك حسين طيب الله ثراه، لتقديم الخدمة العلاجية والتمريضية للعسكريين وعائلاتهم، وقد أقيمت عليها المنشاءات اللازمة في ذلك الحين. وفي وقت لاحق أسندت للمدينة الطبية مهمة معالجة المدنيين مقابل الثمن، بعضها على حساب الديوان الملكي، والبعض الآخر على حساب الحكومة، وكثيرا ما تم التخلف عن دفع تلك الحسابات. 

على ضوء ذلك جرت توسعة المستشفيات وأضيفت أقساما جديدة، وأدخلت أجهزة طبية حديثة في الخدمة، ولكنها بقيت أقل من الاحتياج المطلوب. شمل موقع المدينة المؤسسات التالية : مديرية الخدمات الطبية، مديرية مدينة الحسين الطبية، مستشفى الحسين، مستشفى الملكة رانيا للأطفال، مستشفى الأمير حسين، كلية الأميرة منى للتمريض، مركز فرح للتأهيل، مركز القلب، مركز الطب النووي، مما خلق اكتضاضا غير مسبوق في البشر وفي وسائط النقل. 

وإذا ما اضطر المنتفع لمراجعة المدينة الطبية هذه الأيام، فإن أول ما يخطر بباله ليس معرفة القسم المختص، أو الطبيب الذي سيراجعه، بل أين سيجد موقفا لاصطفاف سيارته قريبا من مقصده ؟ عندها ينتابه قلق وكابوس يضغط على أعصابه، ويجعله يتردد في مواصلة الرحلة، لتلقي العلاج المطلوب له أو لأحد أفراد أسرته.

وإذا ما جازف وتغلب على هواجسه وشرع برحلة العذاب، فسيشاهد آلاف السيارات قد سبقته لدخول المدينة منذ ساعات الصباح الباكر، بعضها للمرتب وبعضها الآخر لطالبي العلاج أو الزوار، ويستمر سيلها متواصلا طيلة النهار وساعات المساء.

وكلما تقدمت بالدخول في عمق المدينة، كلما شاهدت الساحات والمواقف المحدودة والشوارع الرئيسية والجانبية والأرصفة، تعج بالسيارات من مختلف الأنواع، مما يخلق صعوبة ليس في اصطفاف السيارات فحسب، بل وحتى في الحركة على الشوارع، التي قد تعرقل وصول سيارات الإسعاف.

سبق وأن تحدثت مع رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير الخدمات الطبية السابقين حول إيجاد حل لهذه المعضلة، ورغم المحاولات المبذولة إلا أن الأزمة ازدادت تعقيدا حتى الآن. قد تكون العقبة في الوصول إلى حل مناسب، هي عدم توفر التمويل المالي، وهو موضوع يمكن حله إذا خلصت النوايا.

فمواقف السيارات يمكن اعتبارها مشروعا استثماريا، خاصة مع توفر المساحات الأرضية في منطقة المدينة الطبية. وفي هذه الحالة يمكن طرح عطاءا لمستثمرين محليين ( منهم الضمان الاجتماعي ) أو لمستثمرين أجانب، بحيث يتم بناء ثلاثة مواقف سيارات متعددة الطبقات، وقريبة من المستشفيات المتخصصة الرئيسية. أحدها مقابل مركز القلب من الجهة الغربية، والثاني جنوب مركز فرح للتأهيل، والثالث في شمال المدينة، بين مستشفى الملكة رانيا ومستشفى الأمير حسين.

وهذه المواقف يجري تزودها بكافة المعدات اللازمة لمساعدة المرضى في التنقل، على أن تتصل بالمستشفيات المطلوبة من خلال أنفاق، أو ممرات مغلقة مزودة بأحزمة كهربائية متحركة، لاستخدام المرضى والزوار في الوصول إلى مقاصدهم. أما مواقف سيارات المرتب وكبار الزوار فيوضع لها ترتيب خاص إذا كان ذلك ضروريا. 

وإذا ما عرفنا أنه يدخل إلى المدينة الطبية أكثر من 10,000 سيارة يوميا، وفُرض على كل سائق سيارة نصف دينار رسما للموقف، لكانت الحصيلة حوالي 5000 دينار يوميا، أي 150,000 دينار شهريا، وبما يعادل 1,800,000 دينار سنويا. وهذا استثمار مجدٍ ويوفر الراحة للمراجعين والإدارات الطبية. أما إذا عجز المعنيون عن تطبيق هذا الاقتراح، فيمكنهم استيراد بعض الخبراء من دول جنوب شرق آسيا، ليحلو أحجية المواقف المستعصية. 

أعلم أن هذا الاقتراح لا يجهله المسؤولون في هذا الصرح الطبي المهيب، ولكن عدم تنفيذه قد يعود لعدم توفر الإرادة والإقدام على العمل. كما أعلم أيضا بأن الاقتراح لن يجد أذنا صاغية ولن يجد طريقه إلى التنفيذ كما جرت العادة، لأن الراسخون بالإدارة لا يتلقون النصيحة من أحد، واقتناعهم بأن ما يفعلونه هو عين الصواب.

في الختام . . أود أن اذكر بنقطة هامة، وهي أن الدول المتقدمة لا تستخدم الأطباء للقيام بالوظائف الإدارية، كإدارة المستشفيات والمؤسسات الطبية الأخرى. فمثل هذه المهمة تُسند لمن يحمل تخصصا في إدارة المستشفيات، بينما يُستغل الأطباء في ممارسة مهنهم الطبية، لاسيما وأن معظمهم يكونوا قد اكتسبوا خبرات طبية متقدمة. أقول هذا وأنا لا انتقص من قدرات أطبائنا في الإدارة، ولكنني أفضّل استغلالهم على وجه أفضل، لما فيه المصلحة العامة ومصالحهم الشخصية. 

التعليقات مغلقة.